للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعاصمة الخلافية مجاعة عظيمة، فبذل الحكم للفقراء والمعوزين في سائر أرباض قرطبة والزهراء من الأموال ما يكفل أقواتهم ويسد عوزهم (٦٢٦). وبجانب ثراء الدولة الذي تمثل في البناء والهيئات، نرى ثراء كبار رجالات الدولة، الذي اخترع بعضهم تقديم الهدايا الكبيرة والثمينة إلى خلفاء هذا العصر، في الوقت الذي كان فيه عامة الناس في عوز شديد بسبب احتباس المطر وظهور المجاعات المستمر وبسبب غلاء الأسعار وقلة الأجور للعامل البسيط. فتذكر بعض الروايات أن أجور العمال الذين كانوا يشتغلون في بناء مدينة الزهراء كانت تتراوح بين الدرهم والنصف وثلاثة دراهم تبعاً لمقدرتهم الحرفية، في حين كان راتب أحمد بن عبد الملك بن شهيد وزير الناصر خمسمائة دينار في الشهر، وقد رفعه الخليفة إلى ألف دينار فيما بعد، هذا مع العلم أن الدينار كان يعادل على العموم عشرة دراهم (٦٢٧). وأول من ابتدع تقديم الهدايا إلى الخليفة الوزير أحمد بن عبد الملك بن شهيد، وكان منها خمسمائة ألف مثقال من الذهب، ومائتا أوقية من المسك والعنبر، وثلاثون شقة من الحرير المرقوم بالذهب، ومائة فرس مسرجة، وعشرون بغلاً عالية الركاب، وأربعون وصيفاً، وعشرون جارية، وغيرها، وذلك في عام ٣٢٧ هـ، وهذا مما يدل على مدى ثراء الوزراء ورجالات الدولة الأموية بالأندلس (٦٢٨).

كما أهدى الحاجب جعفر بن عثمان بن نصر المصحفي هديته الكبيرة إلى الخليفة الحكم المستنصر مقلداً بها هدية ابن شهيد للخليفة الناصر (٦٢٩). كما كانت بداية حياة الحاجب المنصور الوظيفية الإشراف على عبد الرحمن وهشام أولاد الخليفة الحكم ثم تولى إدارة الخزانة العامة وأمانة دار السكة. فاستغل هذه المناصب المالية، فقدم هديته المشهورة إلى الأميرة صبح زوجة الخليفة الحكم وأم الخليفة هشام الثاني، فبدد أموال الخزينة فاتهمه الخليفة الحكم بالتبذير، فسد الحاجب المنصور هذا العجز بالاستدانة من صديقه الوزير ابن حُدير (٦٣٠).

وفي هذا العصر أمر الخليفة الناصر بتنظيم العملة وتثبيتها. فأمر في عام ٣١٦ هـ باتخاذ دار السكة داخل مدينة قرطبة لضرب الدنانير والدراهم، وولى أمرها أحمد بن محمد بن حُدير الذي بذل جهده في الاحتراس من المدلسين وكان لهذا أثره في تثبيت


(٦٢٦) ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٢٣٦.
(٦٢٧) ينظر، صلاح خالص، إشبيلية، ص ٥٥ - ص ٥٨.
(٦٢٨) ابن خلدون، العبر، ج ٤، ص ١٣٨.
(٦٢٩) أيضاً، ج ٤، ص ١٤٤ - عنان، دولة الإسلام، ج ٢، ص ٥١١ - ٥١٢.
(٦٣٠) ينظر، ابن عذاري، البيان، ج ٢، ص ٢٥١ - ٢٥٢.

<<  <   >  >>