للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي مجال التصوف فقد أثر الغزالي في فكر العالم الفرنسي المشهور (بسكال) صاحب الحجة المشهورة في إثبات وجود الآخرة والتي تسمى رهان بسكال، حيث حاول إقناع المنكرين للآخرة الإيمان بوجودها، وهذه الحجة ذكرها الغزالي في معظم كتبه (٢٣). أما تفسير الاتفاق بين آراء الغزالي وآراء بسكال حول هذه الحجة، فإن بسكال عرف كلام الغزالي إما عن طريق مستشرق معاصر لبسكال، أو أنه عرف آراء الغزالي أثناء إطلاعه على كتاب (خنجر الإيمان) لريموندو مارتين، والذي ثبت أن بسكال استفاد منه وهو يكتب دفاعه عن الدين (٢٤). هذا مع العلم أن الإمام الغزالي عرف في أوروبا بأنه صاحب كتاب مقاصد الفلاسفة، لا صاحب كتاب الإحياء (٢٥).

كما كان لمحيي الدين بن عربي الأندلسي أثر كبير على عقول النساك الأوروبيين، والذين حببه إليهم أنه دعى إلى وحدة الأديان.

ومن المعروف أن أول الفلاسفة الصوفيين من أهل الغرب هو (جوهان أوكهارت) الألماني الذي عاش في القرن التالي لعصر محيي الدين بن عربي (القرن الثالث عشر) ودرس في جامعة باريس التي كانت تعتمد على الثقافة الأندلسية في الحكمة والعلوم (٢٦). وأثر محيي الدين بن عربي في دانته الشاعر الإيطالي المشهور الذي استمد مادة غزيرة لكتابه (الكوميديا الإلهية) من التصورات الأخروية الإسلامية، وبخاصة ما ورد منها عند ابن عربي (٢٧).

أما في مجال الفكر العلمي فتأثير الأندلس كبير جداً، فكانت مدارس الطب الأوروبية تستخدم الكتب الطبية العربية المترجمة إلى اللاتينية وبخاصة كتب الرازي وابن سينا (٢٨). فكتاب الحاوي للرازي كان أحد الكتب التسعة التي تتكون منها مكتبة الكلية الطبية في باريس عام ١٣٩٥ م، وعندما أراد الملك لويس الحادي عشر استنساخه اضطر


(٢٣) ينظر، إحياء علوم الدين، ج، ص ٣٦٥ - ٣٦٦.
(٢٤) عبد الرحمن بدوي، دور العرب، ص ٢٧ - ٢٨ - ضياء أولكن، " أثر الفكر العربي الإسلامي "، ص ٤١٢ - ٤١٣.
(٢٥) السامرائي، دراسات، ص ٣٩٤.
(٢٦) حسني أحمد، الحضارة العربية، ص ٩٧ - عباس محمود العقاد، أثر العرب في الحضارة الأوروبية، ص ٩٧.
(٢٧) عبد الرحمن بدوي، دور العرب، ص ٤٩ وما بعدها.
(٢٨) لويس يونغ، العرب وأوروبا، ص ١٢٨.

<<  <   >  >>