للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مناقشة، ولأن منع الاستصناع يوقع الناس في حرج شديد، خاصة أن الناس في هذا العصر ليسوا كالسابق يستصنعون سيفاً أو آنيةً أو خفاً، بل توسعت دائرة الاستصناع بحيث شملت كل الصناعات الثقيلة، والخفيفة، والمتوسطة، البرية، والبحرية، والجوية، كالسيارات والمعدات، والسفن والطائرات ونحوها، فالناس محتاجون للاستصناع، "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر" (١)، "وقد أباح الشارع أنواعًا من الغرر للحاجة" (٢)، "كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق وكما أباح أن يشترط المشتري ثمرة النخل المؤبر وذلك اشتراء قبل بدو صلاحها؛ لكنه تابع للشجرة وأباح بيع العرايا بخرصها. فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر" (٣)، ومفسدة الغرر التي في عقد الاستصناع أقل من مفسدة منعه، "والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم" (٤)، قال ابن تيمية: "وسر الشريعة أن الفعل إذا اشتمل على مفسدة منع إلا إذا عارضها مصلحة راجحة كما في إباحة الميتة للمضطر وبيع الغرر ونهى الله عنه لأنه نوع ميسر من كونه أكل مال بالباطل فإذا عارضه ضرر أعظم من أباحة دفعا لأعظم الفسادين باحتمال أدناهما" (٥)، وقال: "ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا" (٦).


(١) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ٢٢٧.
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٣٢/ ٢٣٦.
(٣) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ٢٢٧.
(٤) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ٤٩.
(٥) مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيميةص ٣٣٨.
(٦) القواعد النورانية، لابن تيمية، ص ١٧٢.

<<  <   >  >>