للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الرابع: حكم إلزام المدين المماطل بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل (١).

اختلف الفقهاء في حكم إلزام المدين المماطل بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل على قولين:

القول الأول: أن المدين المماطل يُلزم بدفع تكاليف الشكاية، ونفقات التحصيل.

وهو مذهب الحنفية (٢)، والمالكية (٣)، والشافعية (٤) والحنابلة (٥).


(١) صورة المسألة: أن يماطل المدين، ويغرم الدائن لاستخلاص حقه نفقات ومصروفات من أجرة تنقل، أو محامي، أو محضر، ونحو ذلك، فيلزم المدين المماطل بدفع هذه النفقات.
(٢) انظر: الجوهرة النيرة ١/ ٢٦١. وكلامهم عن أجرة العون -وهو رسول القاضي إلى الخصم-، وهي من تكاليف الشكاية، وفي المذهب الحنفي قولان؛ قول أنها على بيت المال، وقول أنها على الذي عليه الحق. جاء في الجواهر النيرة ١/ ٢٦١: "اختلف المشايخ في أجرة العون الذي يبعثه القاضي مع المدعي إلى خصمه قال بعضهم يجب في بيت المال وقال بعضهم على المتمرد وكذا السارق إذا قطعت يده فأجرة القاطع وثمن الدهن الذي يحسم به العروق على السارق؛ لأنه تقدم منه سبب وجوبها وهو السرقة. " فهم لا يكلفون الطالب أجرة العون فإما أن تكون من بيت المال أو على المتمرد الذي عليه الحق، ويجعلون أجرة القاطع على السارق؛ لأنه المتسبب، والمماطل هو المتمرد والمتسبب بالتكاليف التي لحقت الدائن في شكايته.
(٣) انظر: مواهب الجليل، للحطاب ٦/ ١١٣، شرح مختصر خليل، للخرشي ٥/ ٢٧٧، منح الجليل، لعليش ٦/ ٥١. قال ابن فرحون: "وإذا تبين أن المطلوب ألد بالمدعي، ودعاه الطالب إلى الارتفاع إلى القاضي فأبى، فيكون على المطلوب أجرة الرسول إليه، ولا يكون على الطالب من ذلك شيء" تبصرة الحكام ١/ ٣٧١.
(٤) انظر: أسنى المطالب، للأنصاري ٤/ ٣٢٦، تحفة المحتاج، للهيتمي ١٠/ ١٨٩ - ١٩٠، نهاية المحتاج، للرملي ٨/ ٢٨١، مغني المحتاج ٦/ ٢٨٤. وكلامهم كان عن أجرة العون والملازمة إن لم يكن لهم رزق من بيت المال، وهي تكاليف شكاية، وعندهم إذا طلبه القاضي ولم يأت دون عذر فإنهم يجعلونها على المدين لتعديه، والمماطل مثله فهو متعد بتأخره في الوفاء. وجاء في تحفة المحتاج ١٠/ ١٩٠: "فجعل أجرة الملازم بإذن الحاكم على المدين قال: لتقصيره بتأخير الوفاء مع القدرة، ولا يلزم الدائن ملازمته بنفسه". وأما قبل ثبوت الحق فإن الشافعية يجعلون أجرة العون والملازمة على الطالب إن لم يمتنع المطلوب من الحضور، وهذه لا تعكر على مسألتنا؛ لأن الحق فيها لم يتبين لمن؟ وكلامنا فيما إذا تبين أنه مماطل فإنه معتد فعليه التكاليف التي يغرمها الدائن لتحصيل حقه، وأيضًا عليه أجرة السجن والسجان إن لم يكن لهم رزق من بيت المال؛ لتعديه كما جاء في مغني المحتاج ٦/ ٢٨٤: "لو امتنع مديون من أداء ما عليه تخير القاضي بين بيع ماله بغير إذنه وبين سجنه … ونفقة المسجون في ماله، وكذا أجرة السجن والسجان".
(٥) انظر: الإنصاف، للمرداوي ٥/ ٢٠٤ - ٢٠٥، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي ٢/ ١٥٧، كشاف القناع، للبهوتي ٣/ ٤١٩. قال ابن تيمية: "وإذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء ومطَلَ صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك، فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد" مجموع الفتاوى ٣٠/ ٢٤ - ٢٥. وقدصدر ما يوافق هذا القول في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية، ونصه: "يتحمل المدين المماطل مصروفات الدعوى وغيرها من المصروفات التي غرمها الدائن من أجل تحصيل أصل دينه" المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص ٣٤.

<<  <   >  >>