للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي لا مال له أصلاً، فإن فقهاء الأمصار مجمعون على أن العدم له تأثير في إسقاط الدين إلى وقت ميسرته" (١)، وقال القرافي: "أجمعت الأمة على أن صاحب الدين على المعسر مخير بين النظرة والإبراء وأن الإبراء أفضل في حقه وأحدهما واجب حتما وهو ترك المطالبة والإبراء ليس بواجب" (٢)، وقال ابن تيمية: "المعسر يجب إنظاره، ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع المسلمين" (٣).

فضلًا عن الأدلة الكثيرة التي تحث صاحب الدين على التجاوز عن المعسر، منها: عن حذيفة قال: قال رسول الله : «تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ ﷿: تَجَوَّزُوا عَنْهُ» (٤)، وعن عبد الله بن أبي قتادة : " أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» " (٥).

فإذا وجب إنظار المدين بسبب إعساره في دينه الحال، فمن باب أولى أن يبقى دينه المؤجل إلى أجله، وألا يسقط هذا الأجل بسبب الإعسار؛ لأنه إذا كان سبب التأخير هو العجز عن أداء القسط الحال فكيف يمكن إلزامه بأداء بقية الأقساط (٦)؟!


(١) انظر: بداية المجتهد، لابن رشد ٢/ ٢٩٣
(٢) انظر: الفروق، للقرافي ٢/ ١٠
(٣) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٨/ ٧٤
(٤) رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب حسن التقاضي، برقم ٢٣٩١، ومسلم، كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر، برقم ١٥٦٠، واللفظ له.
(٥) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر، برقم ١٥٦٣.
(٦) انظر: بيع التقسيط وأحكامه، للتركي ص ٣٤٢

<<  <   >  >>