للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وكان من قبلي يعظمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبِيَعهم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة، وختم بي النبيون، والخامسة هي ما هي، قيل لي: سل، فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله ﷿ لا يشرك به شيئا، وبينما أنا نائم البارحة، أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي".
وكان جميل الوجه حتى وصفوه بالبدر، وعرقه من أطيب الطيب، تنام عيناه ولا ينام قلبه، ويأخذ الهدية ولا يأكل الصدقة، ويرى المصلين في الصلاة خلفه، ويواصل الصيام يبيت يطعمه ربه ويسقيه، عرفه أهل الكتاب في كتبهم باسمه ووصفه ومخرجه ومبعثه، وحاجهم مراراً ونكسوا عن مباهلته، وصارع ركانة -وكان من أشد الناس- فصرعه النبي ، وأمر جبل أحد أن يثبت لما اهتز، وخنق إبليس حتى أحس ببرد لعابه بين إصبعيه، وأعانه الله على شيطانه فأسلم، ومن رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان لا يتمثل به.
وشهد الله له أنه على خلق عظيم، وكان خلقه القرآن، وما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما لعن رسول الله من لعنة تذكر، وما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه، وما نِيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله ﷿ فينتقم لله، وما خُيّر رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وسابق رسول الله بنفسه على الأقدام، وخصف نعله بيده، ورقع ثوبه بيده، ورقع دلوه، وحلب شاته، وفلى ثوبه، وخدم أهله ونفسه، وحمل مع أصحابه اللبِن في بناء المسجد، وربط على بطنه الحجر من الجوع تارة وشبع تارة، وأضاف وأضيف، واحتجم في وسط رأسه وعلى ظهر قدمه، واحتجم في الأخدعين (عِرقان في جانبي العُنُق) والكاهِل (ما بين الكتفين)، وتداوى وكوى سعد بن معاذ، ولم يكتو، ورقى ولم يسترْقِ، وحمى المريض مما يؤذيه.
وجعل الله بعثته رحمة للعالمين، وما خاطبه في كتابه إلا بالكناية التي هي النبوة والرسالة التي لا أجل منها فخراً، ونهى الناس أن يخاطبوه باسمه، وندبهم إلى تكنيته، ودافع الله عنه فبرأه في كتابه من كل ما رماه به الكفار من السحر والكهانة والجنون، وزكاه بأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمر الناس بالتأسي به، وفرض طاعته، وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وجعل أزواجه أمهات للمؤمنين؛ لا ينكحهن أحد بعده، وقرن الله اسمه باسمه تعالى عند ذكر طاعته وأحكامه، وأقسم الله بحياته، وأفرده بسيادة ولد آدم في القيامة، وحفظه من التدين بدين الجاهلية، ومن تعريهم، ومن لهوهم، وحرست السماء من استراق السمع لثبوت بعثته وعلو دعوته، وأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به إلى السماء، ورأى من آيات ربه الكبرى، وما زاغ بصره وما طغى، وعاد متواضعاً حريصاً على أمته مشفقاً عليها، بالمؤمنين رؤوف رحيم.
وانشق القمر بدعائه فلقتين، وصبر على أذى المشركين وعنادهم بعدما رأوا الآيات والمعجزات، واستمع له نفر من الجن فآمنوا به، وعرض نفسه على القبائل ليبلغ دين الله، وأخبر بالمعجزات الغيبية وانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، ولما تآمر الكفار على قتله حجبه الله عنهم فلم يروه وأنجاه الله، وهاجر إلى المدينة، فبوركت غنم مر بها في طريقه، ونصره الله في الغار وحماه من المشركين وأنزل عليه سكينته وأيده بجنود من عنده، وصد عنه لحاق سراقة بن مالك، وصبر على مشقة الدعوة وجاهد المشركين، وشكت إليه بعض البهائم فنصرها وأوصى بها أصحابها، وتسابقت إليه الإبل يوم النحر أيها ينحر أولاً بيده الشريفة، وسلم عليه الحجر والشجر قبيل بعثته، وحن إليه الجذع الذي كان يستند إليه في مسجده قبل أن يصنعوا له المنبر، وتبارك الطعام والماء بدعائه وبيده أو نفثه أو مجِّه، وأهدت له يهودية بخيبر شاةً مصليةً (مشويةً) سمّتها فأخبرته الشاة أنها مسمومة، وتكلم الذئب شاهداً بنبوته، وسبح الحصى في يده، وقَدِم الشَّجَرُ إلَيْه إذ دعاه، ونبع الماء من بين أصابعه، وشفى الله على يده جراحاً وأعيناً ومرضى، وأخبر بأشراط الساعة وما يكون إلى قيامها.
وما ترك خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شرّاً إلا حذرها منه، وجعلها الله خير الأمم، معصومة لا تجتمع على ضلالة، ولن تضل ما تمسكت بسنة نبيه وهديه، وشريعتها ناسخة لما قبلها، أمة شاهدة على الأمم يوم القيامة بتبليغ الرسل، وصفوفها كصفوف الملائكة، ونبيها هو أول شافع ومشفَّع، وصاحب الشفاعة العظمى، وأول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، وأول من يقرع باب الجنة، وأول من يدخلها، وأكثر الأنبياء أتباعاً، أوتي جوامع الكلم، وأُنزل عليه القرآن معجزة خالدة إلى قيام الساعة محفوظاً من التحريف والتبديل، تحدى الناس أن يأتوا بسورة من مثله، وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود.

<<  <   >  >>