الحمد لله والصلاة والسلام على جميع رسل الله وخاتمهم محمد ﷺ أما بعد:
فإن الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك؛ هو دين الأنبياء جميعاً، وجاءت شريعة خاتم الأنبياء محمد ﷺ مؤكدة لتوحيد الله ومتممة وناسخة لشرائع من قبله من الأنبياء، وقد قال ﷺ:(أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، في الأُولَى وَالآخِرَةِ) قالوا: كيفَ؟ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ:(الأنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فليسَ بيْنَنَا نَبِيٌّ). [رواه مسلم ٢٣٦٥]. وقد أُنزل الإنجيلُ على المسيح عيسى ابن مريم ﵇ لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، مصدقاً ومتمماً لما في التوراة وناسخاً لبعض شرائعها، وجاء المسيح بالبشارة برسول الله محمد ﷺ كما قال الله تعالى في القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦]. قال ابن عبَّاس ﵄:"ما بعَثَ اللهُ نبيًّا إلَّا أخَذَ عليه الميثاقَ: لَئِنْ بُعِثَ محمَّدٌ، وهو حَيٌّ؛ لَيُومِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وأمَرَهُ أنْ يأخُذَ على أُمَّتِهِ المِيثَاقَ: لَئِنْ بُعِثَ محمَّدٌ، وهم أحياءٌ؛ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ"(١)، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ
(١) روي بمعناه عن علي ابن أبي طالب وعن عبد الله بن عباس ﵃، انظر جامع البيان لابن جرير الطبري ٣/ ٣٣٢، تفسير البغوي على حاشية تفسير الخازن ١/ ٣١٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/ ٦٥، الدر المنثور للسيوطي ٢/ ٢٥٢ - ٢٥٣. وعزاه الحافظ في "فتح الباري" (٦/ ٤٣٤) للبخاري.