ومن المهم في هذه المقدمة معرفة أصل موقف اليهود النصارى (١) من المسيح وشريعته، وأوجز هنا كلاماً لبعض المؤرخين عن ذلك -وأغلبه من كلام الإمام ابن كثير ﵀ حيث ذكروا: أنَّ اليهود كذّبوا المسيح ﵇، ورفضوا أن ينسخ شيئاً من أحكام التوراة، وكانوا يزعمون أن المسيح ساحر كذاب، بل يقولون: إنه ولد غَيّة (زنا)، وقالوا على أمه بهتاناً عظيماً، وحرّضوا عليه وسعوا في قتله، وقالوا: إن النصارى ليسوا على شيء من الدين الصحيح. واستمر المسيح ﵇ في دعوته مراغماً لليهود الذين أرادوا قتله، جرياً على عادتهم في قتل الأنبياء. واستعانت اليهود -قبحهم الله -على معاداة عيسى ﵇، بملوك اليونان، ووَشَوا عندهم، وأوحَوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا، فبعثوا من يقبض عليه. ولَمَّا أراد اليهود قتل المسيح عِيسَى بن مريم ﵇ وأراد الله أن يرفعه إلى السماء، خرج المسيح إلى أصحابه - وهم اثنا عشر رجلاً - من عينٍ في البيت، ورأسه يقطُر ماءً، فقال لهم: أما إنّ منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرةً بعد أن آمن بي، ثم قال: أيّكم سيُلقَى عليه شَبَهي فيُقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟، فقام شاب من أحدثهم سناً، فقال: أنا، فقال عيسى: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا، فقال: نعم،
(١) مما يذكره بعض المؤرخين أن النصارى نسبوا للناصرة، لأن عيسى من قرية الناصرة، واليوم يغضبون من وصفهم بالنصارى، ويريدون أن يوصفوا بالمسيحيين. في حين أن اليهود يصفون النصارى ب (Nazorean) يعني النصارى، والنصارى لا يعترضون عليهم. وتسمية النصارى ب (المسيحيين) هي في أصلها مسبة للنصارى، حيث إن أهل أنطاكية أعداء النصارى كان يشتمون النصارى بأنهم (مسيحيين) أي: عبّاد المسيح.