ويقولون أيضاً:«إنه اتحد بالمسيح، وأنه صعد إلى السماء، وجلس عن يمين الأب»، وعندهم أن اللاهوت منذ اتحد بالناسوت لم يفارقه، بل لما صعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب، كان الصاعد عندهم هو المسيح الذي هو ناسوت ولاهوت، إله تام، وإنسان تام، فهم لا يقولون: إن الجالس عن يمين الأب هو الناسوت فقط، بل اللاهوت المتحد بالناسوت جلس عن يمين اللاهوت، فأي تبعيض وتجزئة أبلغ من هذا؟!
ومن أنكر الحلول والاتحاد منهم كالأريوسية يقول: إن المسيح عبد مرسل كسائر الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، فوافقهم على لفظ الأب، والابن، وروح القدس، ولا يفسر ذلك بما يقوله منازعوه من الحلول والاتحاد (١).
[رسالة الحسن بن أيوب عن سبب إسلامه]
والحسن بن أيوب - وهو من علماء النصارى- كتب رسالة بديعة لأخيه علي بن أيوب يبيّن فيها سبب إسلامه، ومما قال فيها:
وجدت أن «الأريوسية» من النصارى يجردون توحيد الله، ويعترفون بعبودية المسيح ﵇، ولا يقولون فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية، ولا بنوة خاصة، ولا غيرهما، وهم متمسكون بإنجيل المسيح، مقرّون بما جاء به تلاميذه، والحاملون عنه، فكانت هذه الطبقة
(١) فَهْمُ الأريوسيين منذ ذلك الزمان المعنى الصحيح المراد من ألفاظ: الأب والابن وروح القدس وغيرها من الألفاظ التي وردت في كتب الأنبياء باللغة العبرية القديمة واحتج بها مشركوا النصارى على شركهم وأوّلوها على غير مرادها؛ هو دليل على أن فَهْمَ الأريوسيين أصيل قديم، وهو الفهم الذي يتوافق مع بقية نصوص الكتب السماوية ولا يتعارض معها، ويوافق مراد الأنبياء وعقيدة التوحيد التي دعا إليها جميع الأنبياء، الذين لم يدّع أحدٌ منهم اعتقاد حلول الله أو اتحاده بشيء من خلقه أو أنه يلد أو يولد، تعالى الله عما يقول الظالمون.