والمسيح ﵇ لما سئل عن علم الساعة قال:«لا يعلمها إنسان، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الأب فقط». فنفى عن نفسه علم الساعة، وهذا يدل على شيئين: على أن اسم الابن إنما يقع على الناسوت دون اللاهوت، فإن اللاهوت لا يجوز أن ينفى عنه علم الساعة، ويدل على أن الابن لم يكن يعلم ما يعلمه الله، وهذا يبطل قولهم بالاتحاد.
وهؤلاء الضلال لم يكفهم أن جعلوا إله السماوات والأرض متحداً ببشر في جوف امرأة، وجعلوه له سكناً، ثم جعلوا أخابث خلق الله أمسكوه، وبصقوا في وجهه، ووضعوا الشوك على رأسه، وصلبوه بين لصين، وهو في ذلك يستغيث بالله، ويقول:«إلهي إلهي! لم تركتني» وهم يقولون: «الذي كان يسمع الناس كلامه هو اللاهوت، كما سمع موسى كلام الله من الشجرة»، ويقولون:«هما شخص واحد».
واللهُ باتفاق الأمم كلها لم يحل في باطن الوادي المقدس، أو البقعة المباركة، أو الجانب الأيمن، ولا اتحد بشيء من ذلك، ولا صار هو وشيء من ذلك جوهراً واحداً، ولا شخصاً واحداً، ولم يكن في باطن الشجرة، ولم يحل في الشجرة، ولم يتحد بها، مع أنه كلم موسى منها، وناداه منها. لكن النصارى يزعمون أنه حل بالمسيح واتحد به، فإنه عندهم حل بباطن المسيح، بل وبظاهره، واتحد به باطناً وظاهراً.
وقولهم إنه:«لا يتبعض، ولا يتجزأ» مناقض لما ذكروه في أمانتهم، ولما يمثلونه به؛ فإنه يمثلونه بشعاع الشمس، والشعاع يتبعض، ويتجزأ!! والتبعيض والتجزئة لازمة لقولهم؛ فإن القول بالولادة الطبيعية مستلزم لأن يكون خرج منه جزء.