للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أخبر محمد أنه رسول الله إلى النصارى وغيرهم من أهل الكتاب، وأنه دعاهم وجاهدهم، وأُمر بدعوتهم وجهادهم، وليس هذا مما فعلته أمته بعده بدعة ابتدعوها، كما فعلت النصارى بعد المسيح (١).

[إيمان المهاجرين والأنصار بمحمد من غير سيف وكذلك من اليهود والنصارى]

ولما بعث الله محمداً أمره أن ينذر عشيرته الأقربين أولاً، ثم ينذر العرب الأميين، ثم أهل الكتاب والمجوس وغيرهم. وقد آمن به المهاجرون والأنصار كلهم من غير سيف ولا قتال، بل لما ظهر لهم من براهين نبوته ودلائل صدقه آمنوا به. وقد حصل من الأذى في الله لمن آمن بالله ورسوله محمد ما هو معروف في السيرة، وقد آمن به في حياته كثير من اليهود والنصارى، بعضهم بمكة، وبعضهم بالمدينة، وكثير منهم كانوا بغير مكة والمدينة.

وكان أول ما أنزل الله تعالى عليه الوحي عرضت خديجة -امرأته- أمره على عالم كبير من علماء النصارى يقال له: ورقة بن نوفل، وكان من العرب المتنصرة، فقال: «هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى بن عمران، يا ليتني أكون فيها جذعاً حين يخرجك قومك». وقدم إليه بمكة طائفة من


(١) المسيح لم يرسل إلى الناس عامة، وإنما إلى بني إسرائيل، وجاء في كتب النصارى أن المسيح يوصي الحواريين الاثني عشر: لا تذهبوا إلى قرى الكنعانيين ولا إلى قرى اليبوسيين، ولكن اذهبوا لقرى خراف بني إسرائيل الضائعة. وأن المسيح يقول: أنا لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضائعة. (في ثلاث مواضع) فالمسيح لم يرسل للناس جميعاً. قال ابن تيمية: قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) [الحديد: ٢٥]. فذكر سبحانه أنه أنزل الحديد أيضا؛ ليتبين من يجاهد في سبيل الله بالحديد، والنصارى يزعمون أن الحواريين والنصارى لم يؤمروا بقتال أحد بالحديد.

<<  <   >  >>