فإذا قالت النصارى: نسخنا هي الصحيحة. لم يكن هذا أولى من قول اليهود: نسخنا هي الصحيحة. بل معلوم أن اعتناء اليهود بالتوراة أعظم من اعتناء النصارى.
وبين توراة اليهود والنصارى والسامرة: اختلاف، وبين نسخ الزبور اختلاف أكثر من ذلك، وكذلك بين الأناجيل، فكيف بنُسَخِ النبوات؟! (١)
والأناجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ذكر صلب المسيح، وعندهم أنها مأخوذة عن الأربعة: مرقس، ولوقا، ويوحنا، ومتى؛ مع أنه لم يكن في هؤلاء الأربعة من شهد صلب المسيح، ولا من الحواريين، بل ولا في أتباعه من شهد صلبه، بل كان الحواريون خائفين غائبين، فلم يشهد أحد منهم الصلب، وإنما شهده اليهود وهم الذين أخبروا الناس أنهم صلبوا المسيح، والذين نقلوا أن المسيح صُلب من النصارى وغيرهم إنما نقلوه عن أولئك اليهود، وهم شُرَط من أعوان الظلمة، لم يكونوا خلقاً كثيراً يمتنع تواطؤهم على الكذب.
وكاتبوا الأناجيل عندهم أربعة، وهم يدعون أن كل واحد كتبها بلسان، كتبت باللسان العبري، والرومي، واليوناني، مع أن في بعض الأناجيل ما ليس في بعض، وإذا كان كل واحد من الأربعة كتب إنجيلاً بلسانه؛ لم يكن هناك إنجيل واحد أصلي ترجع إليه الأناجيل كلها.
وليس مع النصارى نقل متواتر عن المسيح بألفاظ هذه الأناجيل. ولا نقلٌ لا متواترٌ ولا آحادٌ بأكثر ما هم عليه من الشرائع. ولا عندهم ولا عند اليهود نقلٌ متواترٌ بألفاظ التوراة ونبوات الأنبياء كما عند المسلمين
(١) المراد بالنبوات: ما يروونه عن أنبياء بني إسرائيل من كتب ورسائل أضافوها إلى كتابهم المقدس غير التوراة والإنجيل والزبور.