وكان الإنجيل كتاباً موجوداً ومعروفاً لدى النصارى الأوائل (١) بأنه (إنجيل الله) أو (إنجيل المسيح)، وقد ذكره بولس في رسائله، لكن النصارى لا يعرفون شيئاً عن مصير ذلك الإنجيل، ولا أين ذهب، وقد صار عند النصارى -بدل ذلك الإنجيل الواحد- أناجيل كثيرة مختلفة ومتناقضة، أشهرها أربعة أناجيل من طريق مرقس ولوقا ومتى ويوحنا، وليس لها سند متصل، وهي أشد اختلافاً وتحريفاً وأكثر زيادةً ونقصاً وأفحش تفاوتاً من التوراة المحرفة.
وأصبح لدى اليهود التوراة التي لم تسلم من التحريف والتبديل والتي يؤمن بها اليهود والنصارى وتتكون من الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى، وأضافوا معها الأسفار التاريخية المنسوبة لعدد من الأنبياء، وأسفار الشعر والحكمة وتنسب في غالبها إلى داود وسليمان، ومن المزامير ما ينسب إلى آخرين مجهولين، والأسفار النبوية وتتكون من سبع عشرة سفراً، وأسفار الأبوكريفا السبعة وبعض الكنائس المسيحية تزيد أسفاراً أخرى.
ولدى النصارى مجموعة الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، وتنسب إلى ثمانية من المحررين ينتمون إلى الجيل الأول والثاني من
(١) النصرانية الحقيقية التي كانت في القرون الأولى بعد ميلاد المسيح انقرضت، وأصحابها هم (الأريسيون) وقد يسمّون الأبونايت أو الأبنويين، وهم موحدون. وعاد ذكرهم مؤخراً في ضجة إعلامية من خلال لفائف مخطوطات البحر الميت التي عثر عليها سنة ١٩٤٧ م، ووضعت في دير الكاثوليك ونسخة منها لبعثة CIA في دمشق، ودرسوا تاريخها بإشعاع الجلد (كاربون ١٤) Radiocarbon dating حيث وجدوا أن عمرها من القرن الأول، ومكتوبة بحروف عبرية، وهي أقدم مخطوطاتهم. فلما بدؤوا ترجمتها؛ أخفوا هذه المخطوطات؛ لأنهم وجدوها من أتباع المسيح الموحدين الذين هربوا من القتل في القدس ولجؤوا إلى قرية قُمران على شاطئ البحر الميت، ووجدوا فيها أن الموحدين يقولون إن المسيح نبي، وأنه معلِّم، وأنه لم يصلب، وأنه قال: "لدي أشياء لا تحتملوها لكن عندما يأتي محمد سيعطيكم كل ما تحتاجونه إلى آخر يوم في حياتكم".