وما المادة المحسوسة إلا مظاهر فانية لا قيمة لها، والأرواح حينما تصدر من مقرها الأول تبقى عاشقة للعودة إلى مصدرها، وأصلها، ولكن اختلاطها بالمادة، وتشابكها مع الشهوات يؤخر لها تحقيق هذا الأمل.
إن الموجودات كلها قد صدرت عن الله، وستعود إليه؛ فهو وحده الموجود وهو أصل كل موجود سواه، وفي إطار وحدة الوجود يفهم التناسخ الروحي لأن الروح تفارق الجسد المادي عند الموت، وتنتقل إلى جسد آخر.
وأكد البيروني هذه القضية، ويورد نصوص من الكتب الهندوسية تقول: قال ياسدوا لأرجن: إن كنت بالقضاء السابق مؤمنًا؛ فاعلم أنهم ليسوا، ولا نحن معًا بموتى، ولا ذاهبين ذهابًا لا رجوع معه؛ فإن الأرواح غير مائتة، ولا متغيرة إنما تتردد في الأبدان على تغير الإنسان من الطفولة للشباب والكهولة، ثم الشيخوخة التي عقباها موت البدن، ثم العودة كيف يذكر الموت، والقتل من عرف أتن النفس أبدية الوجود لا عن ولادة ولا إلى تلف وعدم، وهي ثابتة قائمة لا سيف يقطعها، ولا نار تحرقها، كل مولود ميت وكل ميت عائد، وليس للإنسان من كلا الأمرين شيء، وإنما هما إلى الله الذي منه جميع الأمور وإليه تصير.
إن الاعتقاد في التناسخ عندهم يعتمد على بعض القضايا اليقينية في نظرهم وهي:
الإنسان في الحقيقة بروحه لا بجسده؛ لأن الجسد ينتهي، أما الروح فهي باقية خالدة، وهي جوهر الإنسان.
الإحساس بالسعادة أو بالشقاء متعلقٌ بالروح لا بالجسد، والعقاب بعد الموت يكون بالروح فقط.