الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فها أنا ذا أحدثك هذه المرة إن شاء الله تعالى عن المانوية؛ من هو مانو، حياته مبادئه، ومعتقدات المانوية، والأخلاق المانوية أيضًا. فأقول -وبالله التوفيق-:
ظهرت عقيدة المانوية على يد ماني بن فاتك الحكيم، وذلك بعد اضمحلال المسيحية؛ أي: بعد ظهور دين سماوي صحيح تعرض للتحريف وداخلته الأهواء البشرية، وتنازعته الأغراض الدنيوية فكان ماني أو مانو يقول بنبوة المسيح -عليه السلام، ولكنه أدخل مع هذا القول تلك النزعة التي كثيرًا ما تُصيب عُبَّاد القديم، فعاد إلى مجوسية الفرس القديمة، واقتبس منها القول بأن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين: أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم.
ثم اختلفت المانوية في مرجع الخير والشر ومدى ارتباطهما بالنور والظلام فقال أكثرهم: إن سبب الامتزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل، فنظرت الروح فرأت النور، فبعثت الأبدان على ممازجة النور فأجابتها لإسراعها إلى الشر، فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليه ملك من ملائكته في خمسة أجناس من أجناسها الخمسة، فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية، فخالط الدخان النسيم، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم والهلاك والآفات من الدخان، وخالط الحريق النار والنور الظلمة، والسموم الريح، والضباب الماء، فما في العالم من منفعة وخير وبركة.
فمن أجناس النور وما فيه من مضرة وشر وفساد، فمن أجناس الظلمة فلما رأى ملك النور هذا الامتزاج أمر ملكًا من ملائكته، فخلق العالم على هذه الهيئة؛ لتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة، وإنما سارت الشمس والقمر وسائر النجوم والكواكب؛