الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فنأتي إلى ثالث أديان الهند الكبرى، وهي الديانة الجينية، من حيث التأسيس والنشأة وأهم عقائدها، فنشرع في بيان هذا إن شاء الله تبارك وتعالى، فنمهد له فنقول:
في القرن السادس قبل الميلاد يُعتبر هذا القرن من أجدر عصور التاريخ بالملاحظة، ففي كل مكان به كانت عقول الناس تُظهر جُرأة جديدة، وفي كل مكانٍ كان الناسُ يستيقظون مما ران عليهم من تقاليد الأباطرة والكهان، والقرابين، ويسألون أشد الأسئلة تعمقًا ونفاذًا، وكأنما الجنس البشري قد بلغ مرحلة الرشد بعد طفولة دامت عشرين ألف سنة.
ففي هذا القرن ظهر بالهند مهاير معلم الجينية، وظهر هوتامة مؤسس البوذية، ظهر في الصين كونفشيوس المربي العظيم، وفي إيران ظهر زرادتشت، وبين بني إسرائيل قام أشعياء، وغيرهم من المعلمين، وفي بلاد الإغريق ارتفع صوت فيثاغورس، وفي مدينة إفسس تجلى هيراقليتوس يواصل تأملاته وأبحاثه الفكرية في طبيعة الأشياء، وهكذا هبت موجة فكرية تجاوبت أصداؤها في كل مكان.
ومن بين ألوان النشاط الفكري التي انبثقت في القرن السادس قبل الميلاد كان كما قلنا ظهور مهاوير وبوذى بالهند.
ويُلاحظ على أفكار هذين المعلمين، بل على أفكار جميع المصلحين والفلاسفة الهنود أنها دارت في الفلك الهندي ولم تتجاوزه، فالجميع يرون أن الحياة الدنيا تعاسة، والعيش فيها ويل، والتغير والزوال أساس الحسرات وأصل الآلام، والجميع يقولون بتكرار المولد وبالزهد وسيلة للنجاة، وإذا شذ أي مفكر هندي عن هذا الإطار ضاع صوته دون غناء، ويقول الفيلسوف الهندي عبد السلام الرمبوري عن فرقة الصنواكيين: إنهم شرذمة خالفوا كيان تربتهم فأكلتهم.