الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فسنتحدث -إن شاء الله عز وجل- عن الزرادشتية.
وبما أن المنهج يتناول الأديان الوضعية التي يدين بها معظم بلاد جنوب شرق أسيا وشرق أسيا، فتأتي هذه الديانة -التي هي من ديانات الفرس القديمة- في تلك المنطقة.
يمهد للحديث عن الزرادشتية تحت عنوان: أديان الفرس:
والفرس من الأمم ذات الحضارات العريقة والموغلة في القدم، وقد اهتم بدراسة آثار الفرس العديد من العلماء المتخصصين في العلوم المختلفة؛ لما لهم من سبق حضاري قديم تمثل في إقامة إمبراطورية تقاسمت السيطرة على العالم مع الدولة الرومانية بقسميها الشرقي والغربي، وقد قامت الحضارة الفارسية على دعائم عديدة حيث حازت على نظام سياسي وإداري كامل، نشط فيها العلماء والمفكرون في عدد من الاتجاهات، وقد تم فتح بلاد فارس ودخلت في الإسلام في عصر أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وصارت جزءا من الخلافة الإسلامية، وقد اهتم علماء الأديان بدراسة أديان الفرس القديمة بعدما وجدوا أنفسهم أمام دين متكامل الجوانب، شامل للعقيدة والشريعة والسلوك الأمر الذي يعطي لهذا الاهتمام ضرورة معينة من أجل المعرفة.
ومن خلال دراستنا سنتناول القضايا التالية:
تعريف مصادر أديان الفرس، التعريف بزرادشت، التعريف بجوانب الدين كما وضحتها المصادر، مناقشة آراء العلماء واتجاهاتهم في نشأة الدين عند الفرس وتطوره؛ وذلك كله في إيجاز وتركيز مع المحافظة على إعطاء صورة متكاملة عن أديان الفرس منذ الزمن القديم على النحو التالي:
أولًا: مصادر أديان الفرس:
برغم أن أديان الفرس ذات تاريخ قديم فإن كتبها المقدسة التي توضح الدين وتفصل جوانبه لم تعرف إلا على يدي زرادشت، فلقد أحياها وشرحها ودعا الناس إليها ولذلك نجدها لا تعرف إلا به، ووصل الأمر ببعض العلماء أن جعلوه مؤسس الدين الفارسي، وبدؤوا بحثهم في أديان الفرس من زمن هذا الحكيم الكبير، والمصادر الدينية عند الفرس مجموعة من الكتب يضمها كتاب واحد يعرف بالفستا، وهو الكتاب الرئيس للدين الفارسي ومعناه في العربية النص الأصلي ويطلق عليه العرب اسم الأبستاق، وقد ظل هذا