الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فحدثتك عن البوذية بدءًا بالكلام عن بوذا وحياته ومبادئه، وها أنا ذا أحدثك عن تأسيس ديانته، فماذا عن الديانة البوذية وما تبقى لنا من الكلام عن عقيدة البوذية، ونحو هذا.
الديانة البوذية تعتبر خطب بوذا وتعاليمه التي ألقاها على تلاميذه، والحوارات التي جرت بينه، وبين فئات مختلفة من الناس، أهم المصادر التي تعرف بالعقيدة البوذية؟ وكذا اكتشاف العلل الاثنتا عشرة للألم، وكذلك الحقائق الأربعة التي توصل إلى معرفتها في أثناء دخوله حالة "النيرفانا" والتي تعتبر المدخل الصحيح إلى كل الفكر الديني البوذي، مع العلم أن البوذية قدمت نفسها كدينٍ إنسانيٍّ وعالميٍّ هدفه الأقصى فتح باب الخلود للناس، وإعطاء النور إلى المكفوفين المدفونين في الظلمات، وفتح باب الخلود للناس لم يكن له إلا بعد أن وجه انتقاداته للمذهبين السائدين آنذاك في الهند، وهما الجينية والهندوسية.
نتلمس انتقاداته لعقيدة الجينية من خلال الحوار مع "أوبيكا" الشاب البرهماني الجيني الصديق القديم لبوذا، لم يسفر الحوار بينهما عن نتيجةٍ إيجابية، وانتهى بأن سلك بوذا طريقه، وأخذ "أوبيكا" طريقًا آخر.
أما انتقادات بوذا للهندوسية البرهمانية فكانت في حواراته مع الرهبان الخمس الذين أشار عليهم بسلوك الطريق الوسطي، وحاول من خلال فكرة الطريق الوسطي أن يصحح أهم مسلمات الرهبان، أي: المبالغة والتطرف في التقشف، قال بوذا موجهًا كلامه إلى الرهبان: هنالك طريقان متطرفان على الرجل الذي ينبذ العالم تحاشيهما، فمن جهة عادة إشباع شهواته هذه طريقة تافهة وباطلة وبدون ثواب، ولا تتناسب إلا مع الأرواح المتجهة نحو العالم.
ومن جهة أخرى: فإن إماتة الذات هي طريق مرهق ومضني وبدون فائدة، ليس الامتناع عن أكل السمك واللحم أو العري، أو حلق الرأس، أو إرسال الشعر