أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم، وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان، وفي الحيز متحاذيان تحاذي الشخص والظل. وإنما يتبين جواهرهما وأفعالهما في هذا الجدول:
النور الجوهر، جوهره حسن فاضل كريم صاف نقي طيب الريح حسن المنظر.
الظلمة الجوهر جوهرها قبيح ناقص لئيم كدر خبيث منتن الريح قبيح المنظر.
النفس: نفس خيرة كريمة حكيمة نافعة عالمة النفس.
النفس: نفسها شريرة لئيمة سفيهة ضارة جاهلة.
الفعل: فعله الخير والصلاح والنفع والسرور والترتيب والنظام والاتفاق.
الفعل: فعلها الشر والفساد والضر والغم والتشويش والتبتير والاختلاف.
الحيز: جهة فوق وأكثرهم على أنهم ارتفعوا من ناحية ال شمال، وزعم بعضهم أنه بجنب الظلمة.
الحيز: جهة تحت وأكثرهم على أنها منحطة من ناحية الجنوب، وزعم بعضهم أنها بجنب النور.
أجناسها خمسة: أربعة منها أبدان، والخامس روحها، فالأبدان هي الحريق والظلمة والسموم والضباب وروحها الدخان، وهي تدعى الهامة وهي تتحرك في هذه الأبدان.
الصفات: حية طاهرة خيرة زكية، وقال بعضهم: كون النور لم يزل على مثال هذا العالم، له أرض وجو، وأرض النور لم تزل لطيفة على غير صورة هذه الأرض، بل هي على صورة جرم الشمس، وشعاعها كشعاع الشمس ورائحتها الطيبة أطيب رائحة، وألوانها ألوان قوس قزح، قال بعضهم: ولا شيء إلا الجسم، والأجسام على ثلاثة أنواع، أرض النور وهي خمسة، وهناك جسم آخر ألطف منه، وهو الجو وهو نفس النور، وجسم آخر وهو ألف منه، وهو النسيم وهو روح النور، قال: ولم يزل يولد ملائكة وآلهة وأولياء، ليس على سبيل المناكحة، بل كما تتولد الحكمة من حكيم، والنطق الطيب من الناطق، وملك ذلك العالم وروحه، ويجمع عالمه الخير والحمد والنور.
الصفات: خبيثة شريرة بخسة دنسة، قال بعضهم: كون الظلمة لم يزل على مثال هذا العالم، لها أرض وجو، فأرض الظلمة لم تزل كثيفة على غير صورة هذه الأرض، بل هي أكثف وأصلب، ورائحتها كريهة أنتن الروائح وألوانها لون السواد، قال بعضهم: ولا شيء إلا الجسم، والأجسام على ثلاثة أنواع، أرض الظلمة وشيء آخر أظلم منه، وهو السموم، قال: ولم تزل تولد الظلمة شياطين أراكنة وعفاريت، لا على سبيل المناكحة، بل كما تتولد الحشرات من العفونات، قال: وملك ذلك العالم وهو روحه، يجمع عالمه الشر والذميمة والظلمة.
ثم اختلفت المانوية، في المزاج وسببه والخلاص وسببه، قال بعضهم: إن النور والظلام، امتزجا بالخبط والاتفاق لا بالقصد والاختيار، قال أكثرهم: إن سبب المزاج، أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل، فنظرت إلى الروح فرأت النور، فبعث الأبدان على ممازجة النور، فأجابتها لإسراعها إلى الشر، فلما رأى ذلك ملك النور، وجه إليه ملكا من ملائكته في خمسة أجزاء من أجناسها، فاختلطت الخمسة النورية بالخمسة الظلامية، فخالط الدخان النسيم، وإنما الحياة والروح في هذا العالم من النسيم، والهلاك والآفات من الدخان، وخالط الحريق النار والنور الظلمة والسموم الريح والضباب الماء، فما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور، وما فيه من مضرة وفساد وشر فمن أجناس الظلمة، إلى آخر هذه الأساطير، التي اعتقدها هذا المانوي في القديم أو في خلق العالم، أو في الذات الإلهية، حيث إنه يرى أن العالم مركب من شيئين نور وظلمة، وهما قديمان لم يزالا ولا يزالان.
وأحالوا حدوث شيء من الصنعة والتركيب، إلا من أصل قديم، وقالوا: لم نر إلا حساسين قويين دراكين سميعين بصيرين، وهما مختلفان في النفس والصورة، ومتضادان في الفعل والتدبير، فجوهر النور فاضل حسن مختص بالصفاء والنقاء، وطيب الريح وحسن المنظر، ونفسه خيرة كريمة نفاعة، وكل خير وصلاح وسرور من فعلها، ليس فيها شيء من الشر ولا من الضرر، وجوهر الظلمة على ضد ذلك من النقص والكدورة ونتن الريح وقبح المنظر، ونفسها نفس شريرة بخيلة سفيهة منتنة ضارة، وكل شر وضرر وغم وفساد فمنها يكون. وزعموا أنهما لم يزالا متباينين، ثم امتزجا من بعد، وزعموا أن عالميهما غير متناهيين من كل جهاتهما، إلا من جهة تلاقيهما، ثم اختلفوا فقال بعضهم: إن النور لم يزل فوق الظلمة وهي تحته على الاستواء.
فهكذا زعم ماني، أن مبدأ العالم كونان أحدهما نور والآخر ظلمة، كل واحد منهما منفصل من الآخر، فالنور هو العظيم الأول ليس بالعدد، وهو الإله ملك جنان النور، وله خمسة أعضاء الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة، وخمسة أخر روحانية وهي الحب والإيمان والوفاء والمروءة والحكمة، وزعم أنه بصفاته هذه أزلي، ومعه شيئان أزليان أحدهما الجو والآخر الأرض، قال ماني: "وأعضاء الجو خمسة: الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة، وأعضاء الأرض النسيم والريح والنور والماء والنار. والكون الآخر وهو الظلمة أعضاؤها خمسة: الضباب والحريق والسموم والسم والظلمة. قال ماني: وذلك الكون النير مجاور للكون المظلم لا حاجز بينهما، والنور يلقي الظلمة بصفحته، ولا نهاية للنور من علوه ولا يمنته ولا يسرته، ولا نهاية للظلمة في الصف ولا في اليمنة واليسرة"، إلى آخر ذلك الهراء.
عقائد المانوية والزرادشتية في النفس
أما عن مسألة النفس أو الإنسان:
قال ماني: "فلما شابك إبليس القديم بالإنسان القديم بالمحاربة، اختلط من أجزاء النور الخمسة بأجزاء الظلمة الخمسة، فخالط الدخان النسيم، فمنها هذا النسيم الممزوج، فما فيه من اللذة والترويح عن الأنفس وحياة الحيوان فمن النسيم، وما فيه من الهلاك والإيذاء فمن الدخان، وخالط الحريق النار فمنها هذه النار، فما فيها من الإحراق والهلاك والفساد فمن الحريق، وما فيها من الإضاءة والإنارة فمن النار، خالط النور الظلمة فمنها هذه الأجسام الكثيفة، مثل الذهب