لجأ "غوتاما" إلى العزلة والتقشف، وخلع ثيابه واكتفى برقاع وأوراق شجر يستر بها عورته، وألقى بجسمه بين الأشواك والحصى وأهمل الطعام والشراب والملاذ، ويُقال: إنه كان يتبلغ بمقدار ضئيل جدًّا من الطعام بلغ أحيانًا حبة من الأرز في اليوم، واتخذ ذلك طريقًا رجاءَ أن تُكشف له أسرار الحياة، ويعرف السبيل للنجاة من عنائها، وقام بألوان من الرياضات النفسية رغبة في أن يطهر نفسه حتى تصل إلى سر الكون.
وقد كلفته هذه الأعمال اضمحلال في جسمه وانحلالًا في قواه، وزامله في هذه الفترة القاسية خمسة من النساك، وكانوا يرونه أكثرهم قسوة على نفسه وأصبرهم على الآلام، ولذلك وضعوه في موضع الزعامة بينهم، إذ كانت الزعامة في ذلك الحين لمن يستطيع أن يكون أشد صلابة وقسوة على جسمه، وأمضى "غوتاما" سبع سنين في هذا الصراع العنيف لم يحس في أثنائها ولا في نهايتها بأيِّ أثرٍ يسير به إلى غايته، وأدرك أن ما يفعله ما هو إلا إجهاد لجسمه، لا يغني فتيلًا، وهنا أقدم "غوتاما" بشجاعة على ما لم يكن معهودًا في نساك عصره.
هؤلاء النساك الذين يرون محاربة الجسم كأنها غاية وليست وسيلة، ويستمرون في هذه الحرب حتى الفناء، وربما عدوا قديسين بسبب ذلك الموقف، أما "غوتاما" فكان كما قلنا قد اتخذ الزهد وسيلة، ثم رأى أنها وسيلة غير مجدية، فأعلن تمرده على هذه الطريقة، وعاد إلى طعامه وشرابه وكسائه، وقرر أن يتوقَّفَ عن قتل شهوات نفسه بالجوع، وأعلن أن خير ما يوصله إلى غايته عقل يتغذى في جسم سليم، وقد خيب فعله هذا أملة أتباعه فيه، ففارقوه آسفين على ما آل إليه أمره.