وقد غلب اللاهوت فتنور اللاهوت، فذاق سرورًا ما خطر بباله من قبل، ووجد قوة ما استشعر بها قط، فأبصر ينابيع الحياة، فأحاط بمنابع الآلام واستوعب منابت البؤس، واكتشف مقاليد السرور، ورأى سبيلًا يهدي إلى تلاشي الأحزان وزهوق الآلام، فأدرك متمناه، ونال مبتغاه، وتخلص من تقلبات الحياة، ونجا من حزازات الآلام، تيقظ شعوره وتنورت بصيرته واستوى على عرش البوذية وسار بوذا، أي: العارف المستيقظ والعالم المتنوع.
ومن الآن سنطلق على بطل هذه الديانة بوذا، وهو الاسم، أو اللقف الذي حصل عليه عندما انكشف عنه الغطاء، ويحسن بنا هنا أن ننقل العبارة التي سجل بها بوذا هذه اللحظة التي يعتبرها هو ويعتبرها أتباعه لحظة إشراق وفوز.
يقول بوذا:"لما أدركت هذا تحررت من الهوى تحررت من شرور الكون الأرضي، تحررت من شرور الخطأ، تحررت من شرور الجهل، وتيقظ في المتحرر شعور التحرر، وشعور عدم تكرر المولد، قد انتهى الصراط المقدس، قد تمت الفريضة فلن أرجع إلى هذه الدنيا رجعة أخرى قد أبصرت هذا".
ترى ما هذه الإشراقة التي حصل عليها بوذا، وما هذا السر الذي كُشف له، وما هذه الأنوار التي أحاطت بنفسه، وما تلك الوسائل التي استطاع بها أن يحل مشكلات الحياة، ويوقف المرض والشيخوخة والموت؟ على كل حال لنسري الآن شوطًا آخر قبل أن نتحدث عن الإشراقة أو ما يسميه البوذيون "النيرفانا"، وهي السر، أو الحل لكل هذه الآلام، نحب هنا أن نوضح بعض الأسماء، والمظاهر الجديدة التي حدثت مع حدوث البوذية ومن أهمها إطلاق لقب بوذا، أي: العارف المستنير على "غوتاما" كما ذكرنا آنفًا.
واللفظ في الأصل وصف، ولكن غلب إطلاقه على "غوتاما" فأصبح علمًا عليه، وجاز بذلك استخدامه من غير "ال" التعريفية، وبوذا هو الاسم الذي سنستعمله منذ الآن في الحديث عن "سيذهاتا" الأمير أو "غوتاما" الراهب.
أما الشجرة التي كان بوذا يجلس تحتها لما تم له الكشف فقد سُميت شجرة العلم، أو الشجرة المقدسة، وقد احتلت عند البوذيين مكانة سامية، مثل مكانة الصليب عند المسيحيين، وإذا كان المسيحيون قد نشروا الصليب في حياتهم، ورسموه على حليهم وأجسامه، فإن البوذيين يرون في الشجرة المقدسة شيئًا يجب أن يسعى له الناس، لا أن يسعى هو للناس، ولهذا زرعوا في كل قطر شجرة واحدة من نوع الشجرة المقدسة يحج الناس إليها في المناسبات المختلفة.