سوى الله؛ خوفًا منه، أو رغبة فيه، أو مبالاة به، أو فكرًا فيه بحيث يشغل قلبه عن الله -جل وعلا- والاتصال لا يصلح إلا بعد هذا الانفصال، وهو اتصال القلب لله، وإقباله عليه هذا هو مفهوم التبتل في الفكر الإسلامي وهو يتفق في بعض معناه مع الفكرين البوذي والنصراني وهو الانقطاع إلى الله.
ولكن تميز الفكر الإسلامي بأن جعل المعنى الأول الانقطاع إلى الله مأمور به، والمعنى الثاني الانقطاع عن الزواج منهيًّا عنه، بل غلوا في الدين هذا فيما يتعلق بمفهوم التبتل.
أما فيما يتعلق بجوهره وغايته، وحيث نرى الفكرين البوذي والنصراني قد جعل عدم الزواج هو جوهر التبتل، وأساسه؛ بحيث إذا تزوج الفرد لا يعد متبتلًا لتعارض الزواج مع التبتل الذي هو جوهر الرهبنة؛ وبالتالي جعلوا جوهر التبتل، وغايته هي الكبح الاختياري لغريزة من غرائز الأحياء الأرضية في سبيل التسامي إلى ما هو غير أرضي، فعدم الزواج هو الأساس للانخراط في سلك الرهبنة، ولو تزوج وأراد سلوكها؛ فعليه أن يترك الرجل أو المرأة أسرته وأهله، وينقطع للعبادة بكافة صورها، بينما نجد الأمر في الإسلام يختلفُ اختلافًا تميز عن ذلك تمامًا؛ حيث إن جوهر التبتل ووسائله ليست في العزوف عن احتياجات البشرية التي أودعها الخالق فينا.
فالمقصود الاسمي ألا يشغل الإنسان عن الله وعبادته مع ممارسته كل الاحتياجات الفطرية وفق شرع الله تعالى، وهنا يكون متبتلًا إلى الله، وهو مع خلق الله، ومن هنا جاءت وسطية الإسلام، وتقديم الدواء في هذا المقام حيث كان الإسلام حكيمًا في دوائه، فلم يجنح للمادية المغرقة، ولا إلى الروحية المفرطة.