وهذا سيدنا زكريا وهو من أنبياء بني إسرائيل طلب الذرية {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(آل عمران: ٣٨) وأيضًا {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}(مريم: ٥ - ٧).
فلو كان هذا الطلب يشغله عن الله ما طلبه، بل طلبه وأجابه ولاه، وأثنى عليه:{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء: ٨٩، ٩٠).
فلم يشغلهم الزواج عن الله -عز وجل- حتى الصديقة مريم بنت عمران رزقت بغلام زكي:{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}(مريم: ١٩) فالزواج نعمة من نعم الله ينتظم بها علاقة كل من الرجل والمرأة تجاه الآخر؛ لأن غريزة الجنس في الإنسان من أقوى وأعتى غرائزه.
والرجل والمرأة يميل أحدهما إلى الآخر دائمًا وأبدًا، وقد ركب فيهما ما لا يعد ولا يحصى من أسباب الجذب، والانجذاب الطبيعي، وأشرب في قلوبهما حب الجنس للآخر، والولع به، والاندفاع لإرواء هذه الغريزة قوة لا تقهر إلا بالزواج، وكل إنسان طبيعي سوي ينطوي على وازع جنسي حبيس، وشهوة قوة فعالة، فبدلًا من كبحها، كما هو الحال في الرهبانية المصادمة، للفطر السوية، وسنن الأنبياء بدلًا من ذلك يتزوج الفرد دون أن يعوقه ذلك عن طريق الله، والتبتل إليه، ودون أن يشعر المتزوج أنه أقل مرتبة ممن لم يتزوج، كما هو الحال