للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس في الرهبان، وأنهم معصومون أو أعطوا سلطانًا رسولي زعم باطل، فالكل سواء أمام الله، فالإسلام لم يعترف بما يسمى رجل دين بمعناه اللاهوتي، أو بوجود سلطة كهنوتية ذات طقوس خاصة ولا بوساطة كهنوتية على النحو الذي يُعرف في الفكر البوذي والنصراني، بل العبد يلجأ إلى الله مباشرة {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: ١٨٦).

وقد أبطل القرآن اتخاذ الغير ربًّا فقال تعالى عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: ٣١)، وهكذا أخرجتهم الرهبنة عن عبادة الله إلى عبادة غيره، فأوقعتهم في الوثنية التي جاءت الرسالات الإلهية لمحاربتها، مما يدل دلالة واضحة على أن الرهبانية لم تكن أصلًا من أصول أي دين حق بمفهومها البوذي والنصراني، وإنما هم المبتدعون لها، دون أن يراعوها حق رعايتها، ففسق أكثرهم عن الحق، ولذا نختم بقول الله عز وجل: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: ٢٧).

يقول الإمام القرطبي في (تفسيره): {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} (الحديد: ٢٧)، أي من قبل أنفسهم، وفيها قراءتان إحداهما بفتح الراء وهي الخوف، والثانية بضمها وهي منسوبة إلى الرهبان، وذلك لأنهم حملوا أنفسهم على المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والنكاح، والتعلق بالكهوف والصوامع، ذلك أن

<<  <   >  >>