للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنّ النّفس عالمة قبل اتصالها بالجِسْم، تُقارب نظرية أفلاطون في المثل العليا في النفس، ورُبّما كانت أصلًا لها، فالعالم لا يقع في قبضة أحد، بل هو يتنقل في البلاد والأمم تنقل الرياح والأمطار فيها، لا تقف دونه الحاجزات، ولا تسد الطريق عليه سدود من حدود وحصون.

والنفس عندهم خالدة باقية لا يعروها الفناء، ولا يتطرق إليها البلى، ولقد صرح بذلك كتبهم، وهذا ما نقله البيروني يشهد بما نقول؛ قال باسيدو لأرجل يحرضه على القتال، وهما بين الصفين: إن كنت بالقضاء السابق مؤمنًا؛ فأعلم أنهم ليسوا ولا نحن بموتى، ولا زاهبين ذهابًا لا رجوع معه، فإن الأرواح غير مائتة ولا متغيرة، وإنما تتردد في الأبدان على تغير الإنسان، من الطفولة إلى الشباب والكهولة، ثم الشيخوخة التي عقباها موت البدن ثم العودة له.

وقال أيضًا: كيف يذكر الموت والقتل من عرف أن النفس أبدية الوجود لا عن ولادة، ولا إلى تلف وعدم، بل هي ثابتة قائمة، لا سيف يقطعها، ولا نار تحرقها، ولا ماء يبثها، ولا ريح تيبسها؛ لكنها تنتقل من بدنها نحو آخر، كما يستبدل البدن اللباس إذا خلق؛ فما عملك لنفس لا تريد.

ومن هذا النص يفهم أن عقيدتهم في النفس أنها لا تريد، وأنها تنتقل من جسم إلى جسم، ومن ذلك جاء اعتقادهم في تناسخ الأرواح، وهو الطابع الذي امتازت به الديانة البرهمية؛ حتى لقد قال في ذلك البيروني: كما أن الشهادة بكلمة الإخلاص شعار إيمان المسلمين، والتثليث علامة النصرانية، والأسبات علامة اليهودية؛ كذلك التناسخ علم النحلة الهندية، من لم يتنحله لم يكن منها.

ولذلك فاعتقادهم في بقاء النفس، وأنّ النفس في بقائها في الجسم تحيط علمًا بالجزئيات، وإن كان علمها بالصورة الكلية ثابتًا لها، وهي في تنقلها من جسم

<<  <   >  >>