ويبين هذا خير بيان الحكاية المعروفة عن طرد آدم وحواء من الجنة، فقد كانا يعيشان فيها عاريين بطهر كامل لا يعرفان همًّا ولا غمًّا، خيرًا ولا شرًّا، حتى أراد عدوهما الشيطان أن يحرمهما مما كانا فيه من البهجة والسرور والسعادة، فحملهما على أن يأكلا من شجرة العلم بالخير والشر، فأُخرجا من الجنة، فالذي حرمهما من الجنة هو علمهما بالخير والشر وبأنهما عاريان، هذا هو رأي الجينيين ونحن نرى أن خروجهما كان لعصيان آدم لأمر ربه {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}(طه: ١٢١)، كما كان قدرًا مسبقًا بأن ينزل آدم إلى الأرض ليكون خليفة فيها، وما حياته في الجنة إلا فترة تشريف أو تكليف.
ويرى الجينيون أن الشعور بالحياء يتضمن تصور الإثم، وعلى العكس من ذلك فعدم الشعور بالحياء معناه عدم تصور الإثم، وذلك زيادة في النقاء، فعلى كل ناسك يريد أن يحيى حياة بريئة من الإثم أن يعيش عاريًا، ويتخذ من الهواء والسماء لباسًا له.
أما الانتحار فقد كان نتيجة للتخلي عن كل عمل، وترك كل ما يغذي الجسم؛ لعدم الإحساس بالجوع، ولقطع الروابط بالحياة، وللتدليل على أن الراهب أو الراهبة لم يبق له اهتمام بهذا الجسد الفاني، فهو يجيعه، وينتف شعره، ويعرضه لظواهر الطبيعة القاسية حتى الموت.
وقد انتشر الانتحار بالجوع بين رهبان الجينيين قديمًا، ويعتبر الانتحار غاية أو جائزة لا تُتاح إلا لخاصة الرهبان الذين اتبعوا النظام الجيني.
وإتاحة الفرصة للانتحار معناها قطع الأعمال التي هي مظنة إلحاق الضرر بأي كائن ذي روح، ولا يكون ذلك إلا بعد قضاء اثني عشر عامًا، أو ثلاثة عشر عامًا داخل الناموس الصارم المرسوم للرهبان الجينيين، أليس تناقضًا عجيبًا أن