في جاهليته من قبل، ولذلك طلب بعض حديثي العهد بالجاهلية والوثنية من النبي صلى الله عليه وسلم: أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها، ويعلقون عليها أسلحتهم للبركة، طلبوا ذلك: لأنهم رأوا المشركين يفعلون ذلك، ظنًا منهم أنه جائز، وفيه فائدة ويقربهم إلى الله. فالتبس عليهم الحق بالباطل، لقرب عهدهم بالجاهلية ووثنيتها.
والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على قطع دابر الشرك، واقتلاعه من النفوس، وسد ذرائعه الموصلة إليه، وكان نهيه صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور في أول الأمر: خوفًا عليهم من الفتنة، وإبعادا لهم عن الشرك وذرائعه، فلما استقر الإسلام، وتمكن التوحيد من نفوسهم، وأمن عليهم: أذن في زيارتها للرجال خاصة، مبينًا صلى الله عليه وسلم فوائدها، والحكمة في شرعيتها بقوله:«كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة» . فزيارة القبور شرعت للتذكير بالموت وبالآخرة، والتزهد في الدنيا، والدعاء للأموات بالمغفرة، والترحم عليهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يزور القبور، ويدعو للموتى، ويسلم عليهم، وكان يبكي ويُبْكى من حوله. أرشدنا كيف نزور قبور إخواننا المسلمين، وما نقول عند زيارتها، حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أتى المقابر:«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية» ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يشد رحلًا لزيارة القبور ولا يسافر لأجلها، ولم يأذن لنا بشد الرحال لزيارتها، بل جاء عنه النهى عن ذلك بقوله:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» .