وشاهد من ذكر اسمه رب العالمين قيومًا قام بنفسه وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيديه ومصير الأوامر كلها إليه فالتدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع والخفض والرفع والإحياء والإماتة والتوبة والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن: ٢٩] لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح إليه وتعرض الأعمال أول النهار وآخره عليه فيقدر المقادير ويوقت المواقيت ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائمًا بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه.
ثم يشهد عند ذكر اسم " الرحمن " جل جلاله ربًا محسنًا إلى خلقه بأنواع الإحسان متحببًا إليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلمًا وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلًا فوسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي فبلغت رحمته ما بلغ علمه فخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته وأرسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته والنار أيضًا برحمته فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها أدران الموحدين من أهل معصيته، وإنها سجنه الذي يسجن فيه أعداءه من خليقته. فتأمل ما في أمره ونهيه ووصاياه ومواعظه من الرحمة البالغة والنعمة السابغة وما في حشوها من الرحمة والنعمة، فالرحمة هي السبب المتصل منه