للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون من المسارعين لأداء هذه الحقوق، فيراه الناس في أفراحهم، وفي عزائهم، وفي تشييع جنائزهم، وفي عيادة مرضاهم، وفي مناسباتهم المختلفة، فتتعمق الصلة به، وتعظم الثقة به، فيحله الناس في قلوبهم قبل أن يحلوه مجالسهم، وتتسع له الصدور قبل أن تفسح له المجالس.

ومن دراسة الخطيب لمشكلات الحي تلمسه لذوي الحاجة من الأسر الفقيرة المتعففة، وذوي الكربات، وأصحاب الآفات من المعاقين والمرضى، فيسعى بواسطة أهل الخير إلى سد خلتهم، وقضاء حاجتهم، والتخفيف من معاناتهم، وإن كان الخطيب مشتغلا بأمور أخرى لا يجد من الوقت ما يكفي لمتابعتهم، فيمكن أن يعهد بذلك لأهل الثقة من معارفه الذين ينوبون عنه في مواساة المحتاجين، وتضميد جراحهم.

إن دور المسجد في الحي دور عظيم، ففيه يلتقي خيرة أهل الحي خمس مرات يوميا، فيبعد أن يكون هناك مشكلة لا تنمي إلى أسماعهم، وهنا تأتي مهمة الإمام والخطيب في تفعيل دور المسجد، وإقامة الصلة ولو بصورة غير مباشرة بين الغني والفقير، وبين الموسر والمحتاج، يحثهم على الإحسان للمحتاجين، وأن هناك أسرا لا يكادون يجدون قوت يومهم، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، فعون هؤلاء وإغاثتهم أولى من زخرفة المساجد، والإسراف في تنويرها بالثريات الضخمة، وتزيينها بالمنابر العالية، والرخام الثمين، بل أولى من كثرة المساجد في الحي الواحد، فإن تقليل المساجد مع تقليل الفقراء والمعوزين في الحي، أولى من تكثير المساجد مع تكثير الفقراء فيه.

وقد شغف كثير من الأغنياء ببناء المساجد، وإنفاق الأموال الطائلة على زخرفتها، وتزيينها، ورفع مناراتها، وجلب الرخام والسجاد الثمين والثريات من بلدان مختلفة لفرشها وإنارتها، حتى أصبح كثير من المساجد فنادق من الدرجة الأولى، ولكن هؤلاء الأغنياء- إلا من رحم الله- لا يبذلون معشار هذه

<<  <   >  >>