للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا في الترهيب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله تعالى أوسطها. أهـ (١) .

فهذا الثبوت في ميزان المسلم للأمور، وهذا الوضوح في رؤيته للواقع، جعله أهلا لأن يزن أخبار الناس، وتصوراتهم، وأنماط حياتهم المختلفة، بميزان دقيق، لا يحيف ولا يطيش، فلا يضخم الواقع فيجعله أكبر من حجمه مرات، ولا يصغره ويحقره فيجعله دون ذلك بدرجات.

(وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها، لتعرفها، ولتشعر بضخامتها، ولتقدر دورها حق قدره، ولتستعد له استعدادا لائقا.

وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والاعتقاد، لا تغلو في التجرد الروحي، ولا في الارتكاس المادي، بلا تفريط ولا إفراط، في قصد وتناسق واعتدال. . . في التفكير والشعور، في التنظيم والتنسيق، في الارتباط والعلاقات ٠٠٠) (٢) .

[المبالغة في المدح]

ومن صور المبالغة والتهويل التي على الخطيب أن يتجنبها:

١ - المبالغة في المدح: وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإطراء، والإطراء هو المبالغة في المدح، والمبالغة في هذا تجاوز بالإنسان عن القدر الذي هو له، والمكانة التي يستحقها، وهي في مخالفة الحق لا تختلف عن ذم الإنسان، وأن ينسب إليه من النقص والعيب ما ليس فيه، ومن مساوئ المبالغة في المدح أن الشيطان يستجري المادح، ويستدرجه إلى تقديس


(١) تفسير ابن جرير (٢ / ٨-٩) .
(٢) في ظلال القرآن (١ / ١٣٠- ١٣١) بتصرف.

<<  <   >  >>