للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما أن على الخطيب أن لا يتجاوز الحد في المدح، فإنه لا ينبغي له أن يتجاوز الحد في الذم فيكون عيابا، أو أن يدخل في دائرة الفجور في الخصومة، والمنبر لا يصلح أن يكون منصة للقذائف والتهم والسباب والشتائم، فينبغي على الخطيب أن يتجنب التجريح بالذم للمعين كما تقدم، وليكن ذمه منصبا على ذم المعصية، والهوى، وعلى غير المعينين من أهل البدع، والفساد.

[المبالغة في ذم الدنيا]

٣ - المبالغة في ذم الدنيا: من الأساليب التي يلجأ إليها بعض الخطباء المبالغة والإفراط في ذم الدنيا مما يصور الإسلام بأنه يحارب العمل، والتجديد في الوسائل، ويحذر من الغنى، ويكره للمسلم الاتساع في المكاسب، وهذا فهم خاطئ للإسلام، وإلا فكيف يحث الإسلام المسلم على الإنفاق، والبذل ويجعل يد الباذل هي العليا، ويحثه على تفريج الكربات، وعلى العمل الشريف إذا كان يذم هذا الأمر ويمقته.

إن الإسلام لا يذم الدنيا، بل يذم التكالب عليها، والغفلة بها عن الآخرة، ولا يذم المال بل يذم كسبه من الحرام، وتبذيره في الحرام، وإضاعته فيما لا يحل، ويذم الشح به، والحرص الشديد عليه، حتى يصبح المرء عبدا له، كما قال صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم والقطيفة» الحديث " (١) .

قال ابن مفلح: يسن التكسب ومعرفة أحكامه حتى مع الكفاية، نص عليه، قاله في الرعاية، وقال أيضا: يباح كسب الحلال لزيادة المال والجاه، والترفه والتنعم، والتوسعة على العيال، مع سلامة الدين والعرض والمروءة، وبراءة الذمة، وقال ابن حزم: اتفقوا على أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله تعالى قبله مباح، ثم اختلفوا فمن كاره وغير كاره.


(١) أخرجه البخاري (الجهاد- ٢٨٨٦) .

<<  <   >  >>