للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تجنب التيئيس وما يولد الإحباط عند المخاطبين]

(د) تجنب التيئيس وما يولد الإحباط عند المخاطبين: الخطابة من المهام القيادية في الناس، والخطيب قائد بهذا المعنى لفصيل من فصائل المجتمع يعده ويوجهه، ولا يصح أن يفت في عضده، فيملأ نفوس أفراده بالوهن واليأس، ويقتل فيهم الثقة والطموح، والتطلع إلى التغيير والإصلاح.

ولا يصح أن يخاطبهم بروح المهزوم المحبط، فإن الخطيب إذا سرت إلى نفسه روح اليأس سرت إلى مستمعيه، وإلى مجتمعه، فكان خاذلا متخاذلا، وما زال للخطباء البارعين دور كبير في إيقاظ الأمة، وفي رفع الهمم، ودرء الفتن، وكم من خطبة حولت الهزيمة إلى نصر، والضعف إلى قوة، والقلة إلى كثرة، وإنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان.

واليأس إذا استولى على فرد أحاله إلى عضو مشلول في مجتمعه لا يصنع خيرا، ولا يدفع ضرا، وإذا استولى على أمة من الأمم أحالها إلى أمة واهنة خائرة تستسهل الهوان، وتألف الذل، وتستمرئ التقليد، وتكون نهبا لأعدائها، وقصعة مباحة لآكليها.

ومن هنا فقد حذر الإسلام من اليأس، وجعله على النقيض من الإيمان فلا يلتقيان في قلب، إيمان كامل ويأس مطبق.

قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧]

قال الطبري في تأويلها: لا يقنط من فرجه ورحمته، ويقطع رجاءه منه {إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] يعني القوم الذين يجحدون قدرته على ما شاء تكوينه (١) .

فأما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله، الندية أرواحهم بروحه، الشاعرون بنفحاته المحيية الرخية، فإنهم لا ييئسون من روح الله، ولو أحاط بهم الكرب، واشتد بهم الضيق، وإن المؤمن لفي روح من ظلال إيمانه، وفي أنس من صلته بربه، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه، وهو في مضايق الشدة ومخانق الكروب (٢) .


(١) جامع البيان في تأويل القرآن (٧ / ٢٨٤) .
(٢) في ظلال القرآن (٤ / ٢٠٢٦) .

<<  <   >  >>