للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صرف الناس عن التأمل فيه، ضعف الألفاظ، ورداءة الأسلوب، وسوء التعبير.

الإعداد ليس ضعفا: وربما ظن بعض الخطباء أن إعداد الخطبة كتابة دليل على الضعف وعدم التمكن من الخطابة (١) وهذا ظن ليس في محله، فقد بينا أهمية الإعداد، وفوائده.

وإذا أردنا تجلية هذه الحقيقة فلنتصور نموذجين لخطيبين:

أحدهما لا تنقصه الحماسة وقوة الطرح، وإثارة المشاعر، لكنه لم يعد الخطبة ولا أخذ لها أهبتها، لا من حيث الموضوع، ولا من حيث الأفكار والعناصر الأساسية، فبدت عليه السطحية، وعدم النضج وإعادة بعض الأفكار من خطبه القديمة، مما قلل من أثر خطبته ومن قيمتها العلمية أو التربوية، فلم يخرج المخاطبون من هذه الخطبة إلا بصدق العاطفة وقوة الصوت، وكلمة من هنا وفائدة من هناك، وهذا وحده غير كاف ولا مقنع للمخاطبين، ولا يؤدي إلى الأثر المطلوب من خطبة الجمعة، والهدف الأساسي منها هو تربية الأمة، والأخذ بقيادها إلى معاقد العزة والقوة والقدوة.

أما الخطيب الثاني فيتصف بالصفات نفسها من حيث العاطفة، وجزالة الأسلوب، وقوة التعبير، وهو بالإضافة إلى ذلك يتناول في خطبته موضوعا محددا، بأفكار وعناصر محددة يضرب لها الأمثال، ويسوق لها الصور الواقعية.

إننا لا نملك إلا أن نحكم للخطيب الثاني بالنجاح، وأن خطبته أوقع في النفوس، وأكثر أثرا، وأعظم فائدة من الخطبة الأولى.

وخلاصة القول أن الإعداد هو الذي ينتج الأفكار الناضجة، والمعاني المتناسقة، والألفاظ المناسبة المنمقة الموحية، والسبك الرائع المعجب، والأداء القوي المشرق، والنفس الطويل الموقظ.


(١) فن الخطابة (ص ١٨٦) الحوفي، أحمد محمد، بتصرف يسير، وانظر للاستزادة: خصائص الخطبة والخطيب (ص ١٥٢ - ١٥٣) .

<<  <   >  >>