للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تكرر هذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه من أساليب القرآن العظيم، وقد يبدأ الخطيب هذه المقدمة بخبر موجز مثير، وقد يبدؤها في كلمات موجزة، إما بقصة من التاريخ، أو من الواقع، أو يبدؤها بآية، أو حديث أو حكمة، أو ما شابه ذلك مما يكون فاتحة لموضوعه، ومنبها لأذهان السامعين إليه، وينبغي أن يحذر الرتابة في هذا المجال حيث تكون خطبه ذات مقدمة واحدة معروفة لدى سامعيه، بل عليه أن يلون ويجدد ويغير في طريقة تناوله للموضوع، وفي أسلوب استهلاله للخطبة.

وليعلم أن شدة إصغاء السامعين إليه، وانجذابهم، وتفاعلهم معه ليس لحسن تقدمته وحسب، بل لا بد من توفر مجموعة أمور تتعلق بإخلاصه، وحسن سيرته، وعلمه، وأدبه، وفصاحته. . . وغير ذلك.

ومما ينبغي أن يتنبه له أيضا أن خطبة الجمعة تختلف عن خطبة النكاح، أو عن خطبة الصلح، أو المحاضرة، أو نحو ذلك من الدروس والندوات، وغيرها.

قال ابن المقفع: "وليكن صدر كلامك دليلا على حاجتك، كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته " كأنه يقول: " فرق بين صدر خطبة النكاح، وخطبة العيد، وخطبة الصلح، وخطبة التواهب، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه " فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناك ولا يشير إلى مغزاك، وإلى العمود الذي قصدت، والغرض الذي إليه نزعت.

فقيل له: فإن مل المستمع الإطالة التي ذكرت أنها أحق بذلك الموضع، قال: إذا أعطيت كل مقام حقه، وقمت بالذي يجب من سياسة الكلام، وأرضيت من يعرف حقوق ذلك، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو، فإنهما لا يرضيان بشيء، فأما الجاهل فلست منه، وليس منك، ورضا جميع الناس شيء لا ينال (١) .


(١) البيان والتبيين للجاحظ (١ / ١١٦) .

<<  <   >  >>