للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال النووي في شرح صحيح مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلما ستره الله عز وجل يوم القيامة» وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم. ممن ليس معروفا بالأذى والفساد، وأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، ويؤدي إلى جسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها، وهو يعد متلبسا فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيره، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة (١) .

إن على الخطيب أن يفرق بين الستر الواجب الذي يكون فيه مصلحة شرعية، وبين ما لا يكون فيه مصلحة شرعية، بل تكون فيه مفسدة، بل ربما فتح باب فتنة وشقاق، أما إذا كان الإنكار للخلاف في الرأي والاجتهاد فإنه لا يسوغ للخطيب أن يذكر اسم شخص أو جماعة معينة، فيصمها بالفساد، أو سوء النية، أو الابتداع في الدين، فإن المنابر ما شيدت للانتصار للرأي، والرد على المخالفين وتقريعهم وتجريحهم، مما يؤدي إلى نشر المنازعات والاختلافات، وتعميق النفرة، وبلبلة العامة، كما أن للآخرين منابرهم التي يقفون عليها، ويردون من فوقها، ويجرحون ويطعنون، إن بني عمك فيهم رماح.

قال العلماء: ولا إنكار فيما يسوغ فيه خلاف من الفروع على من اجتهد فيه، أو قلد مجتهدا فيه (٢) .

وكلما استغنى الخطيب في ألفاظ الجرح عن التعيين كان أولى، إلا أن تكون المصلحة الشرعية بضوابطها تقتضي هذا التعيين، كأن يكون المعين إماما في البدعة، رأسا في الضلالة يخشى على الأمة من ضلاله وبدعته، أو يكون قد


(١) شرح مسلم (١٦ / ١٣٥) .
(٢) الآداب الشرعية (١ / ١٦٦) .

<<  <   >  >>