للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسيرة الخطيب سرعان ما تنتشر بين الناس، والشائعات قد لا تقف عند حد، والناس ينظرون إلى العلماء والخطباء والآمرين بالمعروف بعيون بصيرة، والناقد بصير، وأعمال هؤلاء موضوعة تحت المجهر المكبر، فصغيرتهم تضخم إلى كبيرة، وكسرهم ليس له جبيرة، ومن الأمثال السائرة: زلة الجاهل يغطيها الجهل، وزلة العالم يضرب بها الطبل (١) .

ومن الأبيات السائرة:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (٢)

وعلى الخطيب أن يحذر مراقبة الله تعالى له قبل أن يحذر رقابة الناس عليه. عن مسروق رحمه الله قال: جاءت امرأة إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقالت: تنهى عن الواصلة؟ قال: نعم، قالت: فعله بعض نسائك؟ فقال: ما حفظت وصية العبد الصالح إذا: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨] (٣) .

فانظر كيف احتجت هذه المرأة بفعل بعض نساء ابن مسعود رضي الله عنه وحاججته في ذلك.

وهكذا فالناس شديدو الرقابة للعلماء والخطباء، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ورقابتهم لا تنحصر في العالم والخطيب نفسه، بل يرقبون نساءه، وأولاده، وأحفاده، ويتعلقون بأفعالهم، ويستدلون بسيرتهم وسلوكهم، والناس- إلا من رحم الله- يغلب عليهم الميل إلى التسويغ والترخص بأدنى الشبهات.

ولا يكفي أن يكون الخطيب واقفا عند حد الكف عن المنكر الذي ينهى عنه، أو فعل الواجب الذي يأمر به، أو الالتزام به، أو الالتزام بالخلق الحميد الذي يحض عليه، بل ينبغي أن يكون متميزا عن غيره ممن يقتدي به: بفعل النوافل، والمسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، والتشمير والمبادرة إلى


(١) الأمثال السائر.
(٢) البيت من قصيدة مشهورة لأبي الأسود الدؤلي رحمه الله.
(٣) تفسير ابن كثير (٢ / ٤٥٨) .

<<  <   >  >>