تلك الأحداث الموهلة في تاريخ الكون تقع في صميم الغيب الذي أخبر ربنا -تبارك وتعالى- عنه بقوله -عز وجل:{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}(الكهف: ٥١) إلا أن السنن التي فطر الله تعالى الكون عليها، لها من الاقتراب والاستمرار، والثبات ما يمكن أن يعين الإنسان على الوصول إلى شيء من التصور الصحيح لتلك الأحداث الغيبية الموهلة في أبعاد التاريخ الكوني، على الرغم من حس الإنسان المحدود، وقدرات عقله المحدودة، ومحدودية كل من زمانه ومكانه.
كذلك فإن التقنيات المتطورة من مثل الصواريخ العابرة لمسافات كبيرة في السماء والأقمار الصناعية التي تطلقها تلك الصواريخ والأجهزة القياسية والتسجيلية الدقيقة، التي تحملها قد ساعدت على الوصول إلى تصوير الدخان الكوني الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم، والتي وجدت بقايا أثرية له على أطراف الجزء المدرك من الكون، وعلى أبعاد تصل إلى عشرة مليارات من السنين الضوئية لتثبت دقة التعبير القرآني بلفظة دخان، التي وصف بها حالة الكون قبل خلق السماوات والأرض.
الفيزياء الفلكية ودخانية الكون
بعد الانفجار العظيم تحول الكون إلى غلالة من الدخان الذي خلقت منه الأرض والسماوات، وتشير الحسابات الفيزيائية إلى أن حجم الكون قبل الانفجار العظيم كاد يقترب من الصفر، وكان في حالة غريبة من تكدس كل من المادة والطاقة، وتلاشى كل من المكان والزمان تتوقف عندها كل قوانين الفيزياء المعروفة مرحلة الرتق، ثم انفجر هذا الجرم الابتدائي الأول في ظاهرة كبرى تعرف بظاهرة الانفجار الكوني العظيم، التي هي مرحلة الفتق.