الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
نبدأ ببيان الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي:
يحتوي القرآن الكريم على أكثر من ألف آية صريحة تتحدث عن الكون ومكوناته وظواهره، بالإضافة إلى آيات أخرى كثيرة، تقترب دلالاتها من الصراحة، وهذه الآيات لم ترد من قبيل الإخبار العلمي المباشر للإنسان؛ وذلك لأن الكشف العلمي قد ترك لاجتهاد الإنسان، وتحصيله عبر فترات زمنية طويلة نظرا لمحدودية القدرات الإنسانية، وللطبيعة التراكمية للمعارف الكونية.
ويؤكد ذلك أن تلك الآيات الكونية قد جاءت في مقامِ الاستدلال على طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الخلق، وعلى وحدانية الخالق العظيم، وعلى أن هذا الخالق المبدع سبحانه قادر على إفناءِ خلقه، وعلى إعادةِ هذا الخلق من جديد، وهذه الآيات تحتاج إلى تفسير، كما يحتاج غيرها من آيات هذا الذكر الحكيم، وهي بحكم طبيعتها لا يمكن أن تُفْهم فهمًا دقيقًا في إطار اللغة وحدها على أهمية ذلك؛ ومن هنا كان لزامًا علينا أن نوظف المعارف الكونية النافعة، والمتاحة في تفسير تلك الآيات الكونية الواردة في كتاب الله، ولما كانت المعارف الكونية في تطورٍ مستمرٍ؛ وجب على أمة الإسلام أن ينهض منها في كل جيل نفر من علماء المسلمين الذين يتزودون بالأدوات اللازمة للتعرض لتفسير كتاب الله من مثل الإلمام التام باللغة العربية، وعلومها المختلفة، وبأصول الدين، وبأسباب النزول، وبالناسخ والمنسوخ، وبالمأثور من التفسير، وبجهود السابقين من كبار المفسرين وبالقدر اللازم من العلوم المتاحة عن الكون ومكوناته، وغير ذلك مما يحتاجه كل من يتشرف بالقيام بمثل هذه المهمة العظيمة.