التفسير العلمي بين المؤيدين والمعارضين والمتساهلين
التفسير العلمي بين المؤيدين والمعارضين والمتساهلين الذين بالغوا في رفض التفسير العلمي قالوا: إن هذا تحميل لكتاب الله ما ليس من وظيفته خصوصًا بعد أن أعلن القرآن نفسه هذه الوظيفة، وحددها في مواضع كثيرة كقوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين}(البقرة: ٢) وكقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(المائدة: ١٥، ١٦). فوظيفة القرآن إذًا إنقاذ الإنسانية من الضلال لا بيان ما يتعلق بهذه العلوم الكونية. وقالوا: إن العلوم الكونية خاضعة لطبيعة الجزر والمد، وهناك أبحاث كثيرة لا تزال قلقة حائرة بين إثبات ونفي.
فما قاله علماء الهيئة بالأمس ينقضه علماء الهيئة اليوم، وما قرره علماء الطبيعة في الماضي يقرر غيره علماء الطبيعة في الحاضر، وما أثبته المؤرخون قديمًا ينفيه المؤرخون حديثًا، وما أنكره وأسرفوا في إنكاره باسم العلم أصبحوا يثبتونه ويسرفون في إثباته باسم العلم أيضًا، وقالوا: فهل يليق بعد ذلك كله أن نبقى مخدوعين مغرورين بعلمهم الذي اصطلحوا عليه، وتحاكموا إليه، وقد سجنوا أنفسهم معه في سجنٍ ضيقٍ هو دائرة المادة، تلك الدائرة المسجونة هي أيضًا في حدود ما تفهم عقولهم، وتصل تجاربهم. وقد تكون عقولهم خاطئة وتجاربهم فاشلة، وقالوا أيضًا: هل يليق بعد ذلك كله أن نحاكم القرآن إلى هذه العلوم المادية القلقة الحائرة، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية العلوية الثابتة المتنزلة من أفق الحقِّ الأعلى الذي يعلم السر وأخفى. ذلك ما ذكره الزرقاني صاحب كتاب (مناهل العرفان في علوم القرآن) الجزء الثاني من صفحة ٢٥٠ إلى ٢٥٣.