هذه الحقيقة في نفسه وأدرك من ورائها التقدير الإلهي العظيم، والتدبير الدقيق المحكم، والتنسيق بين أفراد هذا الوجود وحاجاتهم، وإعداد هذه الأرض لتلقى الحياة الإنسانية وحضانتها، وإعداد هذا الإنسان للملائمة مع البيئة والتفاهم معها، وجعل الأرض مهادا للحياة، وللحياة الإنسانية بوجه خاص شاهد لا يمارى في شهادته لوجود العقل المدبر من وراء هذا الوجود الظاهر، فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض هكذا بجميع ظروفها، أو اختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الحياة لتعيش في الأرض؛ الاختلال هنا أو هناك لا يجعل الأرض مهادا، ولا يبقى هذه الحقيقة التي يشير إليها القرآن الكريم هذه الإشارة المجملة ليدركها كل إنسان وفق درجة معرفته ومداركه.
وجعل الجبال أوتاد ً ايدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد، فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها، أما حقيقتها فنتلقاها من القر آن وندرك منه أنها تثبت الأرض وتحفظ توازنها، وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال، وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية، وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد، وكم من قوانين وحقائق أشار إليها القرآن الكريم ثم عرف البشر طرف ًا منها بعد مئات السنين ".