الدنيا والآخرة، وبين الإخلاص في العبادة وبين الإغراق في المعاصي، وبين كلٍّ من التوحيد والشرك، وبين الذي يعملون والذين لا يعلمون.
وتحدثت السورة الكريمة كذلك عن العديد من مشاهد القيامة وأهوالها، كما تحدثت عن نفختي الصعق والبعث، وما يعقبُهُما من أحداث مروَّعة، وعن يوم الحشر حين يُساق المتقون إلى الجنة زمرًا، ويساق المجرمون إلى جهنم زمرًا، ولكن شتان بين سَوْقِ التكريم وسوق الإهانة، والإذلال، والتجريم. ويتمُّ ذلك كله في حضرة الأنبياء والشهداء، والملائكة حافين من حول العرش والوجود كله خاضع لربه، متجه إليه بالحمد والثناء، راجٍ رحمته مُشفق من عذابه، راضٍ بحكمه، حامد لقضائه.
ومن الأدلة المادية المطروحة في سورة الزمر للاستدلال على طلاقة القدرة الإلهية على الخلق، وبالتالي على الشهادة للخالق سبحانه بالألوهية، والربوبية، والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}(الزمر: ٥).
هذه الآية آية جامعة، وسوف نوضح بمشيئة الله الإشارة القرآنية الكريمة إلى كُروية الأرض، وإلى دورانها حول محورها أمام الشمس، وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة في زمن ساد الاعتقاد بالاستواء التام للأرض، بلا أدنى انحناء، وبثباتها الدائم دون أدنى حركة، وتمت الإشارة إلى تلك الحقيقة الأرضية في كتاب الله بأسلوب لا يوزع العقلية البدوية في زمن تنزُّل الوحي، فجاء التكوير صفة لكل من الليل والنهار، وكلاهما من الفترات الزمنية التي تعتري الأرض، فإذا تكور كان ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلى كروية الأرض، وإذا تكور أحدهما