وطنطاوي جوهري في تفسير الجواهر. والذين قرروا هذا المعنى، نظروا إلى قوله تعالى:{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}، وتقرير اختلاط الماءين، يبدو متعارضًا مع وجود البرزخ، والحجر المحجور، ولذلك رجَّح بعض المفسرين معنى الخلط، ورجح الآخرون معنى المنع، وكذلك الحال في تفسير البرزخ، فقد قرَّر بعض المفسرين أن {بَرْزَخًا} يعني: حاجزًا من الأرض، وبمثله قال أبو حيان، والرازي، والألوسي، والشنقيطي.
ولقد ردَّ ابن جرير الطبري هذا القول فقال:" لأن الله -تعالى ذكره- أخبر في أول الآية أنه {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} والمرج هو الخلط في كلام العرب، فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين والملح الأجاج أرضًا أو يبسًا؛ لم يكن هناك مرج للبحرين. وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما، وبيَّن البرزخ، فقال: "{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} حاجزًا لا يراه أحد".
وقال ابن الجوزي عن هذا البرزخ: "مانع من قدرة الله لا يراه أحد"، وقال الزمخشري: "حائلًا من قدرته، كقوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}(لقمان: ١٠)، وبمثلهم قال الأكثرون منهم القرطبي والبقاعي.
فتأمَّل كيف عجز علم البشر عن إدراك تفاصيل ما قرَّره القرآن الكريم، فمن المفسرين من ذكر أن البرزخ أرضًا أو يبسًا حاجزًا من الأرض، ومنهم من أعلن عجزه عن تحديده وتفصيله، فقال: هو حاجز لا يراه أحد، وهذا يُبيِّن لنا أن العلم الذي أوتيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ما هو فوق إدراك العقل البشري في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم، وبعد عصره بقرون، وكذلك الأمر في الحجر المحجور، فقد ذهب بعض المفسرين إلى حملها على المجاز، وذلك بسبب نقص العلم البشري طوال القرون الماضية؛ قال الزمخشري: "فإن قلت {حِجْرًا مَحْجُورًا} ما معناه؟ قلت: هي الكلمة التي