للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وملح، بسبب اختلاف ما يحدث عند اللقاء في الحالتين، فمن الذي كان يعلم أن البحار الملحة تتمايز فيما بينها، رغم اتحادها في الأوصاف التي تدركها الأبصار والحواس، ملحة، زرقاء، ذات أمواج، وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها، والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست؛ فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر، وأمواج، وتيارات، وأعاصير.

والآية تذكر اللقاء بين بحرين ملحين، يختلف كل منهما عن الآخر؛ إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر؛ لكان بحرًا واحدًا، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلاف بينهما مع كونهما ملحين.

و {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}؛ أي: أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب، واختلاط، واضطراب، وهذا ما كشفه العلم من مدٍّ وجزر في البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار المختلطة تختلط مع بعضها ببطء شديد.

ومن يسمع هذه الآية فقط يتصور أن امتزاجًا واختلاطًا كبيرًا يحدث بين هذه البحار، يفقدها خصائصها المميزة بها، ولكن العليم الخبير يقرِّر في الآية بعدها {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ}، ومع حالة الاختلاط والاطراد هذه التي توجد في البحار، فإن حاجزًا يحجز بينهما، يمنع كلًّا منهما أن يطغى ويتجاوز حدَّه، وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدَّم في علومه وأجهزته، فقد وُجد ماءٌ ثالث يختلف في خصائصه عن خصائص كلٍّ من البحرين، ويفصل كل من البحرين الملحين المتمايزين في خصائصهما من حيث الملوحة والحرارة، والكثافة، والأحياء المائية، وقابلية ذوبان الأكسجين، ووُجد أن هذا الحاجز المائي متحرك بين البحرين على اختلاف فصول السنة، وهذا المعنى يندرج أيضًا تحت قوله تعالى: {مَرَجَ} الذي يعني أيضًا الذهاب، والإياب، والاختلاط، والاضطراب.

<<  <   >  >>