مشرقًا، ومغربًا مغربًا حتى تبلغ أقصاها، ثم ترجع فذلك حدها ومستقرها؛ لأنها لا تعدوه ولا تتجاوزه، أو لحدٍّ لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا، وهو المغرب وقيل: مستقرها، أي: أجلها الذي أقر الله عليه أمرها في جريها، فاستقرت عليه، وهو آخر السنة، وقيل: الوقت الذي يستقر فيه، وينقطع جريها، وهو يوم القيامة".
ويقول الفخر الرازي في تفسيرِ قوله تعالى:{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}(الأعلى: ٤، ٥): "فيه مسألتان، المسألة الأولى: الغثاء ما يبس من النبت، فحملته الأودية والمياه، وألوت به الرياح. والمسألة الثانية: الحوة السواد، وقال بعضهم: الأحوى هو الذي يضرب إلى السواد إذا أصابته رطوبة، وفي أحوى قولان: أحدهما: أنه نعت لغثاء، أي صار بعد الخضرة يابسًا فتغير إلى السواد؛ وسبب ذلك السواد أمور أحدها: أن العشب إنما يجف عند استيلاء البرد على الهواء، ومن شدة البرودة أنها تبيض الرطب، وتسود اليابس. وثانيًا: أن يحملها السيل فيلصق بها أجزاء كدرة فتسود، وثالثها: أن يحملها الرياح؛ فتلصق بها الغبار الكثير فتسود. القول الثاني: وهو اختيار الفراء، وأبي عبيدة، وهو أن يكون الأحوى هو الأسود لشدة خضرته، كما قيل في:{مُدْهَامَّتَان}(الرحمن: ٦٤) أي سوداوان لشدة خضرتهما، والتقدير: الذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء كقوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا}(الكهف: ١، ٢) أي: أنزله قيمًا ولم يجعل له عوجًا.
الأمر الثاني: أسلوب القرآن في حديثه عن العلوم الكونية: فقد جاء هذا الأسلوب بطريقة عجيبة؛ بحيث توائم فكر الناس أيًّا كانت ثقافتهم، وتناسب علومهم ومعارفهم مهما تطورت وتقدمت، فإذا قرأَهُ العامة؛ وجدوا فيه