والجمع بين هذه الآيات الكريمة وأمثالها كثير في كتاب الله يؤكد على أن خلق كل من السموات والأرض، وخلق الحياة، وخلق الإنسان قد تم في غيبة كاملة من الوعي الإنساني، ولكنّ الله من رحمته بنا قد أبقى لنا في صخور الأرض، وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية ما يمكنه أن يعين الإنسان بإمكاناتِهِ المحدودة على الوصول إلى تصور ما لعملية الخلق إلا أن هذا التصور يبقى في مجالِ الفروض، والنظريات.
ولا يمكن أن يرقى إلى مقام الحقيقة أبدا؛ لأن الحقيقة العلمية لا بد، وأن تكون واقعة تحت حس الإنسان وقدراته منهم؛ فإن العلوم المكتسبة لا يمكن أن تتجاوز في قضيةِ الخلق بأبعاده الثلاثة مرحلة التنظير أبدا؛ ولذلك تتعدد النظريات في قضايا الخلق بتعدد خلفيات واضعيه هل هم من المؤمنين الموحدين أم من الكفار أو من المشركين، أو من المشككين، وهل هم من السعداء في حياتهم، أم من التعساء والأشقياء والمهمومين؟ وهل هم من الأسوياء، أم من المنحرفين؟. وفي هذا الخضم يبقى للمسلم نور من الله في آية قرآنية كريمة، أو في حديث نبوي صحيحٍ مرفوع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعينه على الانتصار لإحدى هذه النظريات، والارتقاء بها إلى مقام الحقيقة، لا لأن العلوم المكتسبة قد أثبتت ذلك، ولكن لمجرد وجود إشارة إلى تلك الحقيقة في كتاب الله الخالق، أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.