للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نوديت من مكان قريب. وذلك من جهاتي الستّ: يا حبيبي ومطلوبي، السلام عليك، فغمضت عينيّ، وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنه من جوارحي لقربه مني، ثم نوديت: انظر عليّ، ففتحت عينيّ فصرت كلي أعينا، وكأن في باطني ما أراه في ظاهري، وصرت كأني برزخ بين كونين وقاب، كما يرى الرائي عند النظر في المرآة ما بخارجها. ثم سمعت بقارئ يقرأ قوله: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. وإذا بذلك الحجاب قد رفع وأذن لي بالدخول. ولما دخلته رأيت الأنبياء صفوفا صفوفا ودونهم الملائكة، ورأيت أقربهم للحق أربعة أنبياء، ورأيت أولياء أمة محمد أقرب الناس إلى محمد وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى وأقرب إليه أربعة أولياء، فعرفت منهم السيد محيى الدين عبد القادر، وهو الذي تلقاني إلى باب الحجاب، وأخذ بعضدي حتى دنوت من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، فناولني يمينه فأخذته بكلتا يديّ، فلا زال يجذبني ويدنيني حتى ما بقي بيني وبين ربي أحد، فلما حققت النظر في ربي ورأيته على صورة النبي، إلا أنه كالثلج أشبه شيء أعرفه في الوجود من غير رداء ولا ثياب. ولما وضعت شفتي على محل منه لأقبله أحسست ببرد الثلج سبحانه وتعالى، فأردت أخر صعقا، فمسكني سيدنا محمد صلى الله عليه وآله (١)

وأما ابن عربي فيجعل لعروجه محاكيا المعراج النبوي الشريف ويقول: (بينما أنا نائم وسر وجودي متهجد قائم جاءني رسول التوفيق، ليهديني سواء الطريق، ومعه براق الإخلاص، عليه لبد الفوز ولجام الإخلاص، فكشف عن سقف محلىّ، وأخذ في نقضى وحلىّ، وشق صدري بسكين السكينة، وقيل لي: تأهب لارتقاء الرتبة المكينة، وأخرج قلبي في منديل، لآمن من التبديل، وألقى في طست الرضا، بموارد القضا، ورمى منه حظ الشيطان، وغسل بماء: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ... ثم أتيت بالخمر واللبن، فشربت ميراث تمام اللبن، وتركت الخمر حذرا أن أكشف السر بالسكر ... استفتح لي سماء الأجسام فرأيت سر روحانية آدم عليه السلام ... فاستفتح الرسول الوضاح، سماء الأرواح ... قال لي: مرحبا وأهلا – إلى آخر الخرافات والمختلقات (٢).

ويقول أحد من المتقدمين من الصوفية نجم الدين كبري المقتول ٦١٨ هـ: (أنه أيضا ممن عرج به إلى السماء (٣).

كما نقل عن أبي الحسن الخرقاني أنه قال:

(صعدت ظهيرة إلى العرش لأطوف به فطفت عليه ألف طوفة أو كما قال، ورأيت حواليه قوما ساكنين مطمئنين فتعجبوا من سرعة طوافي وما أعجبني طوافهم، فقلت: من أنتم، وما هذه البرودة في الطواف؟

فقالوا: نحن ملائكة، ونحن أنوار، وهذا طبعنا لا نقدر أن نجاوزه، فقالوا: ومن أنت وما هذه السرعة في الطواف؟

فقلت: بل أنا آدميّ، وفيّ نور، ونار هذه السرعة من نتائج نار الشوق) (٤).

والجيلي كذلك ذكر عروجه ومعراجه، ورؤيته لسدرة المنتهي وتجليات الربّ تبارك وتعالى (٥).

وكذلك يذكر النفزي الرندي المتوفى ٧٩٢ هـ في تفسير قوله تعالى: وملكا كبيرا:

(أنه يرسل الله تعالى الملك إلى وليه، ويقول له:


(١) ((المواقف الإلهية)) لابن البان (ص١٦٤ - ١٦٩).
(٢) انظر كتاب ((الإسراء)) لابن عربي (ص١٨) من ((رسائل ابن عربي)) الطبعة الأولى ص حيدر أباد دكن الهند ١٣٦٧ هـ.
(٣) انظر ((فوائح الجمال وفواتح الجلال)) لنجم الدين الكبري بتصحيح دكتور فريتزمائر أستاذ بجامعة بازيل بسويسرا مطبعة فرانتزشتاينز ويسبادن ألمانيا ١٩٥٧م.
(٤) انظر ((فوائح الجمال وفواتح الجلال)) لنجم الدين الكبري (ص١٣).
(٥) انظر ((الإنسان الكامل)) للجيلي الباب التاسع والأربعون في سدرة المنتهى (٢/ ١٢ - ‍‍‍١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>