(نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقتنا، وكذلك لا يجوز لأحد أن ينقل كلامنا إلا لمن يؤمن به، فمن نقله إلى من لا يؤمن به دخل هو والمنقول إليه جهنم الإنكار، وقد صرح بذلك أهل الله تعالى على رؤوس الأشهاد وقالوا: من باح بالسرّ استحق القتل (١).
وقد ذكر الدباغ حكايات كثيرة عن الذين لم يكتموا السرّ فابتلاهم الله ببلايا عديدة، من القتل والصلب والحرق والعمى وغير ذلك (٢).
وكان منهم الحلاج، لأنه لم يقتل إلا لإفشاء سرّه (٣).
وكما يروون أن الخضر عبر على الحلاج وهو مصلوب، فقال له الحلاج:
(هذا جزاء أولياء الله؟ فقال له الخضر: نحن كتمنا فسلمنا، وأنت بحت فمتّ (٤).
وكما رووا عن أبي بكر الشبلي أنه قال: (كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت (٥).
وننقل أخيرا أن أحمد بن زروق، وابن عجيبة ذكرا عن الجنيد أنه كان يجيب عن المسألة الواحدة بجوابين مختلفين، فكان يجيب هذا بخلاف ما يجيب ذاك (٦).
هذا عين ما رواه الشيعة على محمد الباقر كما ذكر الكليني عن زرارة بن أعين أنه قال:
(سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني. ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟
فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدّقكم الناس علينا، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال: فأجابني بمثل جواب أبيه (٧).
فهذا هو المبدأ الخطير الآخر الذي أخذه المتصوفة من الشيعة ليكونوا حزبا سرّيا يعمل في الخفاء لهدم مبادئ الإسلام وتعاليمه، ولتأسيس ديانة جديدة تعمل لتوهين القوى الإسلامية ونشاط المسلمين لنشر الكتاب والسنة، والتقاعد عن الجهاد والغزوات، وبناء المجتمع الإسلامي على أسس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وضعناه أمام الباحثين والقراء مع المقارنة بين أفكار الآخذين والذين أخذ عنهم، معتمدين على أوثق الكتب وأثبتها وأهمها لدى الطرفين.
المصدر:التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير
(١) ((اليواقيت والجواهر)) للشعراني (ص١٧) ط مصطفى البابي الحلبي مصر.
(٢) انظر ((الإبريز)) للدباغ (ص ١٢).
(٣) انظر ((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص ٢٥٢) ط باكستان.
(٤) ((شرح حال الأولياء)) لعز الدين المقدسي مخطوط ورقة (٢٥١).
(٥) ((أربعة نصوص)) (ص ١٩) بتحقيق ماسينيون ط باريس.
(٦) انظر ((قواعد التصوف)) لابن زروق (ص ١١). ط القاهرة، أيضا ((إيقاظ الهمم)) لابن عجيبة (ص ١٤٤).
(٧) ((الأصول من الكافي)) كتاب فضل العلم باب اختلاف الحديث (١/ ٦٥). ط طهران.
