بالمطالعة أن الحق ما قاله الإمام ابن مالك علامة «جيان» لا ما قاله أبو حيان, ويجزم بأن كلام ابن الضائع كلام ضائع, والله الموفق سبحانه.
[التنبيه الثاني]
لا خلاف بين أئمة العربية في أن كلام العرب كله نظمه ونثره ويستدل به على إثبات القواعد العربية مطلقًا, من لغة وصرف ونحو وغير ذلك, وإنما وقع الخلاف في معرفة من يستدل بكلامه, ومن لا يحتج بكلامه, فاحتاجوا إلى بيان معرفة طبقات المتكلمين, وجعلوهم شعراء, لأن المحفوظ المنقول أغلبه شعر, فقالوا إن طبقات الشعراء أربعة: جاهليون كامرئ القيس وطرفة وزهير وأضرابهم, ومخضرمون وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كحسان ولبيد وكعب وأضرابهم, وإسلاميون كالفرزدق وجرير وأضرابهما, ومولدون كبشار ومن بعده إلى الآن, فأما الجاهليون والمخضرمون فقد أجمعوا على الاستشهاد بكلامهم, وإثبات القواعد في سائر الفنون بنثارهم ونظمهم. وأما الطبقة الثالثة وكلهم الإسلاميون, فاختلفوا في الاستدلال بكلامهم, وأطبق المحققون على الاستشهاد ولم يعبئوا بالخلاف في ذلك. وأما طبقة المحققون على الاستشهاد بكلامهم في القواعد النحوية والألفاظ العربية, بل يجوز الاستشهاد بشعرهم في المعاني والبيان والبديع فقط, وخالف الزمخشري وأتباعه السلف, فاستشهد بكلام المولدين كأبي تمام, وقال في الكشاف: لأني أجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه, واعترضوا عليه بأن قبول الرواية مبني على الضبط والوثوق, واعتبار القول مبني على معرفة الأوضاع اللغوية والإحاطة بقوانينها, ومن البين أن إتقان الرواية لا يستلزم إتقانالدراية, وأطال في الرد عليه الفاضل التفتزاني, والمحقق في الكشف وغير واحد.