رجال هذه الطبقة العظيمة أتعب الناس فكراً يقضون النهار ومعظم الليل في أشغال فكرية وأعمال يدية كتابية يتساءلون فيما بينهم عن الممالك وأخبارها اليومية ويبعثون البعوث إلى
داخلية الغير اكتشافاً للمواقع الحربية وتطلعاً إلى الأخبار السرية وإحصاء للأعداد العسكرية ومعرفة للوسائل المؤدية إلى مقاصدهم السياسية وربما غيروا صبغة بعض الأفراد الدينية وأمروهم أن يتظاهروا بمذهب الغير أن ماثلهم في الدين أو بدينه أن غايرهم في المعتقد ليسهل عليهم الاختلاط بالأمة ويثقوا بهم في أقوالهم وأفعالهم فإذا تم لهم المقصود جدوا ولفقوا أصول الدين وفروعه بما يؤلفونه من الكتب في دين من يداخلونهم ليوقعوا بين الأمة الاختلاف والهرج والمرج حتى تتعدد الوحدة ويتمزق الاجتماع والإجماع. وعلى هذه الطبقة أيضاً السهر فيما يقدم البلاد ويحفظ الأمن ويوسع دوائر التجارة والزراعة والملاحة والصناعة والمكاتب الدينية والعلمية فتراهم يتنازلون إلى عيادة المرضى وزيارة الوجهاء وإذا مروا بأرض ريفية لاطفوا أهلها وسألوهم عن أحوالهم وحثوهم على أعمالهم ووعدوهم بما فيه خيرهم جذباً للنفوس وأداء للواجب. وإذا دخلوا مجلساً من مجالس الأعيان شاركوهم في الحديث وبادلوهم الجدال فيما فيه نجاح الأمة وعلو شأن المملكة فإذا اجتمعوا بأمثالهم اكتشفوا أفكارهم وشاوروهم في أمورهم واستمدوا منهم وأمدوهم فإذا عادوا إلى الملوك أخبروهم بأحوال المملكة وأخبار الممالك وأطلعوهم على الوقائع اليومية والأحكام القضائية وراجعوهم في مقترحاتهم بما يعود عليهم بحفظ السلطة والسطوة وعلى الأهالي بالثروة وراحة