ثم اعتنى القائمون بالأحكام بالمعلمين والكتب فاستدعوا كثيراً من أفاضل الدنيا وترجموا ألوفاً من كتب القدماء وربوا العدد الكثير حتى ظهر العلماء والفضلاء والحكماء والأمراء وتحلى الشرق بحلية علمية وتزين بزينة عمرانية لا يحفظ التاريخ مثلها عن المتقدمين وإن قيل بما يقرب منها ففي قطعة من الأرض صغيرة لا في هذه الممالك الواسعة والأقطار المتباعدة كل هذا تم لرعاة المسلمين والمواصلة متعذرة والتجارة ضعيفة والأمم متقاطعة والحروب قائمة والطرق مخوفة فلا وأبورات بحرية ولا برية ولا تلغراف ولا معاهدات تجارية دولية ولا آلات مخترعة بل بالحياة الوطنية وضعوا قدماً في آسيا وقدماً في أفريقيا وتخطوا لأطراف أوربا فتحاً واستيلاءً.
فسمع الغرب صدى صوتهم ورأى سيل الفتوح منحدراً نحوهُ وعلم أنه إني بقي على التخاذل الحاصل فيه وبقيت أقطاره ممالك ودوقات وكونتات وجمهوريات وكل يرى استقلاله وانفراده عن الغير أولى له من الانضمام والاتحاد لا بد وإن تربط خيول العرب في أواسط أوربا. فتنبه النائم وتراجعت الملوك والأمراء إلى المخابرات والمعاهدات وعملوا بما أخذوه من سياسة العرب من التجمع والأخذ بالمعارف والصنائع والاستماتة في وقاية أوطانهم بتوحيد الكلمة الدفاعية بالجامعة الدينية. ووقفوا أمام الشرق دفاعاً وحفظاً للوطن وقد احتكت أفكارهم بأفكار الشرقيين فتنوروا بما أخذوهُ عن مدارس العراق والغرب وتلقوا فنون السياسة والحرب من مبادلة الأحوال بينهم وبين الأمويين والعباسيين والأدارسة وأمويي الغرب والملثمين والترك